نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2987
متجاوزين للحق، ظالمين لا تقفون عند حد.
«فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون» ..
فاستحققنا نحن وأنتم العذاب، وحق علينا الوعيد بأن نذوق العذاب.
وقد انزلقتم معنا بسبب استعدادكم للغواية، وما فعلنا بكم إلا أنكم اتبعتمونا في غوايتنا:
«فأغويناكم إنا كنا غاوين» ..
وهنا يرد تعليق آخر، وكأنه حكم يعلن على رؤوس الأشهاد، يحمل أسبابه، ويعرض ما كان منهم في الدنيا مما حقق قول الله عليهم في الآخرة:
«فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون. إنا كذلك نفعل بالمجرمين. إنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون: أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون» ..
ثم يكمل التعليق متوجها فيه بالتأنيب والتقبيح لقائلي هذا الكلام المرذول:
«بل جاء بالحق وصدق المرسلين. إنكم لذائقو العذاب الأليم. وما تجزون إلا ما كنتم تعملون. إلا عباد الله المخلصين» ..
وعلى ذكر عباد الله المخلصين- الذين استثناهم من تذوق العذاب الأليم يعرض صفحة هؤلاء العباد المخلصين في يوم الدين. ويعود العرض متبعا نسق الإخبار المصور للنعيم الذي يتقلبون في أعطافه- في مقابل ذلك العذاب الأليم للمكذبين-:
«أولئك لهم رزق معلوم. فواكه وهم مكرمون. في جنات النعيم. على سرر متقابلين. يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون. وعندهم قاصرات الطرف عين. كأنهن بيض مكنون..» .
وهو نعيم مضاعف يجمع كل مظاهر النعيم. نعيم تستمتع به النفس ويستمتع به الحس. وتجد فيه كل نفس ما تشتهيه من ألوان النعيم.
فهم- أولا- عباد الله المخلصون. وفي هذه الإشارة أعلى مراتب التكريم. وهم- ثانيا- «مكرمون» في الملأ الأعلى. ويا له من تكريم! ثم إن لهم «فواكه» وهم على «سرر متقابلين» . وهم يخدمون فلا يتكلفون شيئا من الجهد في دار الراحة والرضوان والنعيم: «يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين. لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون» .. وتلك أجمل أوصاف الشراب، التي تحقق لذة الشراب، وتنفي عقابيله.
فلا خمار يصدع الرؤوس، ولا منع ولا انقطاع يذهب بلذة المتاع! «وعندهم قاصرات الطرف عين» حور حييات لا تمتد أبصارهن إلى غير أصحابهن حياء وعفة، مع أنهن «عين» واسعات جميلات العيون! وهن كذلك مصونات مع رقة ولطف ونعومة: «كأنهن بيض مكنون» .. لا تبتذله الأيدي ولا العيون! ثم يمضي في الحكاية المصورة فإذا عباد الله المخلصون هؤلاء- بعد ما يسرت لهم كل ألوان المتاع- ينعمون بسمر هادئ، يتذاكرون فيه الماضي والحاضر- وذلك في مقابل التخاصم والتلاحي الذي يقع بين المجرمين في أول المشهد- وإذا أحدهم يستعيد ماضيه، ويقص على إخوانه طرفا مما وقع له:
«قال قائل منهم: إني كان لي قرين. يقول: أإنك لمن المصدقين. أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون؟» ..
لقد كان صاحبه وقرينه ذاك يكذب باليوم الآخر، ويسائله في دهشة: أهو من المصدقين بأنهم مبعوثون
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2987