نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2988
فمحاسبون بعد إذ هم تراب وعظام؟! وبينما هو ماض في قصته يعرضها في سمره مع إخوانه، يخطر له أن يتفقد صاحبه وقرينه ذاك ليعرف مصيره.
وهو يعرف بطبيعة الحال أنه قد صار إلى الجحيم. فيتطلع ويدعو إخوانه إلى التطلع معه:
قال: «هل أنتم مطلعون؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم» ..
عندئذ يتوجه إلى قرينه الذي وجده في وسط الجحيم. يتوجه إليه ليقول له: يا هذا. لقد كدت توردني موارد الردى بوسوستك. لولا أن الله قد أنعم علي، فعصمني من الاستماع إليك:
«قال: تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين» ..
أي لكنت من الذين يساقون إلى الموقف وهم كارهون.
وتثير رؤيته لقرينه في سواء الجحيم شعوره بجزالة النعمة التي نالها هو وإخوانه من عباد الله المخلصين. فيحب أن يؤكدها ويستعرضها، ويطمئن إلى دوامها، تلذذا بها وزيادة في المتاع بها فيقول:
«أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى؟ وما نحن بمعذبين؟ إن هذا لهو الفوز العظيم» ..
وهنا يرد تعليق يوقظ القلوب ويوجهها إلى العمل والتسابق لمثل هذا المصير:
«لمثل هذا» النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يتهدده العذاب.
لمثل هذا فليعمل العاملون.. فهذا هو الذي يستحق الاحتفال. وما عداه مما ينفق فيه الناس أعمارهم على الأرض زهيد زهيد حين يقاس إلى هذا الخلود.
ولكي يتضح الفارق الهائل بين هذا النعيم الخالد الآمن الدائم الراضي والمصير الآخر الذي ينتظر الفريق الآخر. فإن السياق يستطرد إلى ما ينتظر هذا الفريق بعد موقف الحشر والحساب الذي ورد في مطلع المشهد الفريد:
«أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم! إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون. ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم. ثم إن مرجعهم لإلي الجحيم» ..
أذلك النعيم المقيم خير منزلا ومقاما أم شجرة الزقوم؟
وما شجرة الزقوم؟
«إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين» ..
والناس لا يعرفون رؤوس الشياطين كيف تكون! ولكنها مفزعة ولا شك. ومجرد تصورها يثير الفزع والرعب.
فكيف إذا كانت طلعا يأكلونه ويملأون منه البطون؟! لقد جعل الله هذه الشجرة فتنة للظالمين. فحين سمعوا باسمها سخروا وقالوا: كيف تنبت شجرة في الجحيم ولا تحترق. وقال قائل منهم هو أبو جهل ابن هشام يسخر ويتفكه: «يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا. قال: عجوة يثرب بالزبد! والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقما! ولكن شجرة الزقوم هذه شيء آخر غير ذلك الطعام الذي كانوا يعرفون! «فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون» ..
فإذا شاكت حلوقهم وهي كرؤوس الشياطين- وحرقت بطونهم- وهي تنبت في أصل الجحيم ولا تحترق
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2988