نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2986
هكذا في ومضة خاطفة بمقدار ما تنبعث صيحة واحدة. تسمى «زجرة» للدلالة على لون من الشدة فيها، والعنف في توجيهها، والاستعلاء في مصدرها.. «فإذا هم ينظرون» .. فجأة وبلا تمهيد أو تحضير. وإذا هم يصيحون مبهوتين:
«وقالوا: يا ويلنا. هذا يوم الدين» ..
وبينما هم في بهتتهم وبغتتهم إذا صوت يحمل إليهم التقريع من حيث لا يتوقعون:
«هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون» ..!
وهكذا ينتقل السياق من الخبر إلى الخطاب موجها لمن كانوا يكذبون بيوم الدين. وإن هي إلا تقريعة واحدة حاسمة. ثم يوجه الأمر إلى الموكلين بالتنفيذ:
«احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم. وقفوهم إنهم مسؤولون» .
احشروا الذين ظلموا ومن هم على شاكلتهم من المذنبين، فهم أزواج متشاكلون.. وفي الأمر- على ما فيه من لهجة جازمة- تهكم واضح في قوله: «فاهدوهم إلى صراط الجحيم» .. فما أعجبها من هداية خير منها الضلال. وإنها لهي الرد المكافئ لما كان منهم من ضلال عن الهدى القويم. وإذ لم يهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم، فليهتدوا اليوم إلى صراط الجحيم! وها هم أولاء قد هدوا. هدوا إلى صراط الجحيم. ووقفوا على استعداد للسؤال. وها هو ذا الخطاب يوجه إليهم بالتقريع في صورة سؤال بريء! «ما لكم لا تناصرون؟» ! ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا، وأنتم هنا جميعا؟ وكلكم في حاجة إلى الناصر المعين؟! ومعكم آلهتكم التي كنتم تعبدون! ولا جواب بطبيعة الحال ولا كلام! إنما يرد التعليق والتعقيب:
«بل هم اليوم مستسلمون» ..
عابدين. ومعبودين!!! ثم يعود السياق مرة أخرى إلى الحكاية، ويعرض مشهدهم يجادل بعضهم بعضا:
«وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين» ..
أي كنتم توسوسون لنا عن يميننا- كما هو المعتاد في حالة الوسوسة بالأسرار غالبا- فأنتم مسؤولون عما نحن فيه.
وعندئذ ينبري المتهمون لتسفيه هذا الاتهام، وإلقاء التبعة على موجهيه:
«قالوا: بل لم تكونوا مؤمنين» ..
فلم تكن وسوستنا هي التي أغوتكم بعد إيمان، وأضلتكم بعد هدى..
«وما كان لنا عليكم من سلطان» ..
نرغمكم به على قبول ما نراه، ونضطركم إليه اضطرارا لا ترغبون فيه.
«بل كنتم قوما طاغين» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2986