نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2985
من بعض هذه الأرض، التي هي إحدى تلك الخلائق:
«إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ» ..
فهم قطعا ليسوا أشد خلقا من تلك الخلائق! وموقفهم إذن عجيب. وهم يسخرون من آيات الله، ومن وعده لهم بالبعث والحياة. وسخريتهم هذه تثير العجب في نفس الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهم في موقفهم سادرون:
«بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ. وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ. وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ» ..
وحق لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أن يعجب من أمرهم. فإن المؤمن الذي يرى الله في قلبه كما يراه محمد- صلّى الله عليه وسلّم- ويرى آيات الله واضحة هذا الوضوح، كثيرة هذه الكثرة، يعجب- لا شك- ويدهش كيف يمكن أن تعمى عنها القلوب؟ وكيف يمكن أن تقف منها هذا الموقف العجيب! وبينهما رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يعجب منهم هذا العجب، إذا هم يسخرون من القضية الواضحة التي يعرضها عليهم، سواء في وحدانية الله، أو في شأن البعث والنشور. وإذا هم مطموسون لا تتفتح قلوبهم للتذكير وإذا هم يتلقون آيات الله بالسخرية الشديدة، والتعجيب ممن يريهم إياها، واستدعاء أسباب السخرية وطلبها طلبا كما يوحي لفظ «يَسْتَسْخِرُونَ» ! ومن ذلك وصفهم القرآن بأنه سحر، وعجبهم مما يعدهم به من البعث:
«وَقالُوا: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ؟ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؟» ..
لقد غفلوا عن آثار قدرة الله فيما حولهم، وفي ذات أنفسهم. غفلوا عن آثار هذه القدرة في خلق السماوات والأرض وما بينهما وفي خلق الكواكب والشهب وفي خلق الملائكة والشياطين وفي خلقهم هم أنفسهم من طين لازب. غفلوا عن آثار القدرة في هذا كله ووقفوا يستبعدون على هذه القدرة أن تعيدهم إذا ماتوا وصاروا ترابا وعظاما، هم وآباءهم الأولين! وما في هذا البعث والإعادة من غريب على تلك القدرة ولا بعيد لمن يتأمل هذا الواقع ويتدبره أقل تدبر في ضوء هذه المشاهدات التي تحيط بهم في الآفاق وفي أنفسهم.
وإذ كانوا لا يتدبرون هذه المشاهدات في هوادة ويسر، وفي طمأنينة وهدوء. فهو يوقظهم إذن بشدة وعنف، على مشهدهم في الآخرة مبعوثين. ويصور لهم ذلك المشهد وهم فيه يضطربون [1] :
«قل: نعم وأنتم داخرون» ..
نعم ستبعثون أنتم وآباؤكم الأولون. ستبعثون وأنتم داخرون، ذلولون، مستسلمون. غير مستعصين ولا متأبين.. نعم.. ثم يدخل في استعراض ذلك كيف يكون. وإذا هم أمام مشهد من المشاهد المطولة المتعددة الجوانب. المتنوعة الأساليب. المزدحمة بالمناظر الحية والحركات المتتابعة. يلتقي فيها الوصف بالحوار. فتسير على نسق الحكاية فترة، ثم تنتقل إلى نسق الحوار أخرى. ويتخلل عرض الأحداث والحركات تعليقات وتعقيبات عليها. وبذلك يستكمل المشهد كل سمات الحياة:
«فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ» .. [1] نستعير هنا في تفسير هذا المشهد صفحات من كتاب: «مشاهد القيامة في القرآن» نشر «دار الشروق» مع تصرف قليل.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2985