نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2915
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم بشير ابن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريرة عن أبيه- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يوما، فنادى ثلاث مرات: «أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال- صلّى الله عليه وسلّم-: «إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم. فبعثوا رجلا يتراءى لهم، فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم، وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه. أيها الناس آتيتم. أيها الناس آتيتم. أيها الناس آتيتم» ..
وروي بهذا الإسناد قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «بعثت أنا والساعة جميعا. إن كادت لتسبقني» ..
ذلك هو الإيقاع الأول المؤثر الموحي. يتبعه الإيقاع الثاني:
«قُلْ: ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ..
دعاهم في المرة الأولى إلى التفكر الهادئ البريء.. ما بصاحبكم من جنة.. ويدعوهم هنا أن يفكروا ويسألوا أنفسهم عما يدعوه إلى القيام بإنذارهم بين يدي عذاب شديد. ما مصلحته؟ ما بواعثه؟ ماذا يعود عليه؟ ويأمره أن يلمس منطقهم ويوقظ وجدانهم إلى هذه الحقيقة في صورة موحية:
«قُلْ: ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» ! خذوا أنتم الأجر الذي طلبته منكم! وهو أسلوب فيه تهكم. وفيه توجيه. وفيه تنبيه.
«إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» ..
هو الذي كلفني. وهو الذي يأجرني. وأجره هو الذي أتطلع إليه. ومن يتطلع إلى ما عند الله فكل ما عند الناس هين عنده هزيل زهيد لا يستحق التفكير.
«وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ..
يعلم ويرى ولا يخفى عليه شيء. وهو عليّ شهيد. فيما أفعل وفيما أنوي وفيما أقول.
ويشتد الإيقاع الثالث وتقصر خطاه:
«قُلْ: إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» ..
وهذا الذي جئتكم به هو الحق. الحق القوي الذي يقذف به الله. فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله؟ إنه تعبير مصور مجسم متحرك. وكأنما الحق قذيفة تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق.. يقذف بها الله «عَلَّامُ الْغُيُوبِ» فهو يقذف بها عن علم، ويوجهها على علم، ولا يخفى عليه هدف، ولا تغيب عنه غاية، ولا يقف للحق الذي يقذف به معترض ولا سد يعوق. فالطريق أمامه مكشوف ليس فيه مستور! ويتلوه الإيقاع الرابع في مثل عنفه وسرعته:
«قُلْ: جاءَ الْحَقُّ، وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ» ..
جاء هذا الحق في صورة من صوره، في الرسالة، وفي قرآنها، وفي منهجها المستقيم. قل: جاء الحق. أعلن هذا الإعلان. وقرر هذا الحدث. واصدع بهذا النبأ. جاء الحق. جاء بقوته. جاء بدفعته. جاء باستعلائه وسيطرته «وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ» .. فقد انتهى أمره. وما عادت له حياة، وما عاد له مجال، وقد تقرر مصيره وعرف أنه إلى زوال.
إنه الإيقاع المزلزل، الذي يشعر من يسمعه أن القضاء المبرم قد قضى، وأنه لم يعد هناك مجال لشيء آخر يقال.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2915