responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2914
ويلمس قلوبهم بتذكيرهم بمصارع الذين كذبوا من قبل. وهم لم يؤتوا معشار ما أوتي أولئك الغابرون.
من علم، ومن مال، ومن قوة، ومن تعمير. فلما كذبوا الرسل أخذهم النكير. أي الهجوم المدوي المنكر الشديد:
«وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ- وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ- فَكَذَّبُوا رُسُلِي. فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟» ..
ولقد كان النكير عليهم مدمرا مهلكا. وكانت قريش تعرف مصارع بعضهم في الجزيرة. فهذا التذكير يكفي. وهذا السؤال التهكمي «فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟» سؤال موح يلمس قلوب المخاطبين. وهم يعرفون كيف كان ذلك النكير! وهنا يدعوهم دعوة خالصة إلى منهج البحث عن الحق، ومعرفة الافتراء من الصدق، وتقدير الواقع الذي يواجهونه من غير زيف ولا دخل:
«قُلْ: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ.. أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا. ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ. إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ» ..
إنها دعوة إلى القيام لله. بعيدا عن الهوى. بعيدا عن المصلحة. بعيدا عن ملابسات الأرض. بعيدا عن الهواتف والدوافع التي تشتجر في القلب، فتبعد به عن الله. بعيدا عن التأثر بالتيارات السائدة في البيئة. والمؤثرات الشائعة في الجماعة.
دعوة إلى التعامل مع الواقع البسيط، لا مع القضايا والدعاوى الرائجة ولا مع العبارات المطاطة، التي تبعد القلب والعقل من مواجهة الحقيقة في بساطتها.
دعوة إلى منطق الفطرة الهادئ الصافي، بعيدا عن الضجيج والخلط واللبس والرؤية المضطربة والغبش الذي يحجب صفاء الحقيقة.
وهي في الوقت ذاته منهج في البحث عن الحقيقة. منهج بسيط يعتمد على التجرد من الرواسب والغواشي والمؤثرات. وعلى مراقبة الله وتقواه.
وهي «بِواحِدَةٍ» .. إن تحققت صح المنهج واستقام الطريق. القيام لله.. لا لغرض ولا لهوى ولا لمصلحة ولا لنتيجة.. التجرد.. الخلوص.. ثم التفكر والتدبر بلا مؤثر خارج عن الواقع الذي يواجهه القائمون لله المتجردون.
«أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ. مَثْنى وَفُرادى» .. مثنى ليراجع أحدهما الآخر، ويأخذ معه ويعطي في غير تأثر بعقلية الجماهير التي تتبع الانفعال الطارئ، ولا تتلبث لتتبع الحجة في هدوء.. وفرادى مع النفس وجها لوجه في تمحيص هادئ عميق.
«ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا. ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ» .. فما عرفتم عنه إلا العقل والتدبر والرزانة. وما يقول شيئا يدعو إلى التظنن بعقله ورشده. إن هو إلا القول المحكم القوي المبين.
«إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ» ..
لمسة تصور العذاب الشديد وشيكا أن يقع، وقد سبقه النذير بخطوة لينقذ من يستمع. كالهاتف المحذر من حريق في دار يوشك أن يلتهم من لا يفر من الحريق. وهو تصوير- فوق أنه صادق- بارع موح مثير..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2914
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست