نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2906
وقد تقوم الشبهات أمام البراهين وقد يغشى الباطل على الحق.. ولكن ذلك كله إلى حين.. ثم يفصل الله بين الفريقين بالحق، ويحكم بينهم حكمه الفاصل المميز الحاسم الأخير.. «وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ» .. الذي يفصل ويحكم عن علم وعن معرفة بين المحقين والمبطلين..
وهذا هو الاطمئنان إلى حكم الله وفصله. فالله لا بد حاكم وفاصل ومبين عن وجه الحق. وهو لا يترك الأمور مختلطة إلا إلى حين. ولا يجمع بين المحقين والمبطلين إلا ريثما يقوم الحق بدعوته، ويبذل طاقته، ويجرب تجربته ثم يمضي الله أمره ويفصل بفصله.
والله سبحانه هو الذي يعلم ويقدر متى يقول كلمة الفصل. فليس لأحد أن يحدد موعدها، ولا أن يستعجلها.
فالله هو الذي يجمع وهو الذي يفتح. «وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ» ..
ثم يأتي الإيقاع الأخير، شبيها بالإيقاع الأول في التحدي عن الشركاء المزعومين:
«قُلْ: أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ. كَلَّا. بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
وفي السؤال استنكار واستخفاف: «أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ» .. أروني إياهم. من هم؟ وما هم؟ وما قيمتهم؟ وما صفتهم؟ وما مكانهم؟ وبأي شيء استحقوا منكم هذه الدعوى؟ .. وكلها تشي بالاستنكار والاستخفاف.
ثم الإنكار في ردع وتأنيب: «كَلَّا» .. فما هم بشركاء. وما له سبحانه من شركاء.
«بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
ومن هذه صفاته لا يكون هؤلاء شركاء له. ولا يكون له على الإطلاق شريك..
بهذا ينتهي ذلك الشوط القصير، وتلك الإيقاعات العنيفة العميقة. في هيكل الكون الهائل. وفي موقف الشفاعة المرهوب. وفي مصطرع الحق والباطل. وفي أعماق النفوس وأغوار القلوب.