نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2878
يدعوا فلا يدخلون يرتقبون نضجه! ثم إذا طعموا خرجوا، ولم يبقوا بعد الطعام للسمر والأخذ بأطراف الحديث..
وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا الأدب الذي يجافيه الكثيرون. فإن المدعوين إلى الطعام يتخلفون بعده، بل إنهم ليتخلفون على المائدة، ويطول بهم الحديث وأهل البيت- الذين يحتفظون ببقية من أمر الإسلام بالاحتجاب- متأذون محتبسون، والأضياف ماضون في حديثهم وفي سمرهم لا يشعرون! وفي الأدب الإسلامي غناء وكفاء لكل حالة، لو كنا نأخذ بهذا الأدب الإلهي القويم.
ثم تقرر الآية الحجاب بين نساء النبي- صلّى الله عليه وسلّم- والرجال:
«وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ» ..
وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع:
«ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» ..
فلا يقل أحد غير ما قال الله. لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك.. إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين. لا يقل أحد شيئا من هذا والله يقول: «وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» .. يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات. أمهات المؤمنين. وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولا.
ويقول خلق من خلقه قولا. فالقول لله- سبحانه- وكل قول آخر هراء، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد! والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقول الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل. (وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار) [1] .
وقد ذكرت الآية أن مجيئهم للطعام منتظرين نضجه من غير دعوة وبقاءهم بعد الطعام مستأنسين للحديث..
كان يؤذي النبي فيستحيي منهم. وفي ختامها تقرر أنه ما يكون للمسلمين أن يؤذوا رسول الله. وكذلك ما يكون لهم أن يتزوجوا أزواجه من بعده وهن بمنزلة أمهاتهم. ومكانهن الخاص من رسول الله يحرم أن ينكحهن أحد من بعده، احتفاظا بحرمة هذا البيت وجلاله وتفرده:
«وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً» ..
وقد ورد أن بعض المنافقين قال: إنه ينتظر أن يتزوج من عائشة! «إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً» ..
وما أهول ما يكون عند الله عظيما! ولا يقف السياق عند هذا الإنذار الهائل، بل يستطرد إلى تهديد آخر هائل:
«إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» .. [1] راجع بتوسع فصل «سلام البيت» في كتاب: «السّلام العالمي والإسلام» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2878