نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2879
وإذن فالله هو الذي يتولى الأمر. وهو عالم بما يبدو وما يخفى، مطلع على كل تفكير وكل تدبير. والأمر عنده عظيم. ومن شاء فليتعرض. فإنما يتعرض لبأس الله الساحق الهائل العظيم.
وبعد الإنذار والتهديد يعود السياق إلى استثناء بعض المحارم الذين لا حرج على نساء النبي- صلّى الله عليه وسلّم- في أن يظهرن عليهم:
«لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ، وَلا أَبْنائِهِنَّ، وَلا إِخْوانِهِنَّ، وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ، وَلا نِسائِهِنَّ، وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ. وَاتَّقِينَ اللَّهَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً» ..
وهؤلاء المحارم هم الذين أبيح لنساء المسلمين عامة أن يظهرن عليهم.. ولم أستطع أن أتحقق أي الآيات كان أسبق في النزول الآية الخاصة بنساء النبي- صلّى الله عليه وسلّم- هنا، أم الآية العامة لنساء المسلمين جميعا في سورة النور. والأرجح أن الأمر كان خاصا بنساء النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ثم عمم. فذلك هو الأقرب إلى طبيعة التكليف.
ولا يفوتنا أن نلحظ هذا التوجيه إلى تقوى الله، والإشارة إلى اطلاعه على كل شيء: «وَاتَّقِينَ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً» . فالإيحاء بالتقوى ومراقبة الله يطرد في مثل هذه المواضع، لأن التقوى هي الضمان الأول والأخير، وهي الرقيب اليقظ الساهر على القلوب.
ويستمر السياق في تحذير الذين يؤذون النبي- صلّى الله عليه وسلّم- في نفسه أو في أهله وفي تفظيع الفعلة التي يقدمون عليها.. وذلك عن طريقين: الطريق الأولى تمجيد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وبيان مكانته عند ربه وفي الملأ الأعلى. والطريق الثانية تقرير أن إيذاءه إيذاء الله- سبحانه- وجزاؤه عند الله الطرد من رحمته في الدنيا والآخرة، والعذاب الذي يناسب الفعلة الشنيعة:
«إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» ..
وصلاة الله على النبي ذكره بالثناء في الملأ الأعلى وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالى..
ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه ويشرق به الكون كله وتتجاوب به أرجاؤه.
ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي. وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم. وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم.
وفي ظل هذا التمجيد الإلهي يبدو إيذاء الناس للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- بشعا شنيعا ملعونا قبيحا: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً» .. ويزيده بشاعة وشناعة أنه إيذاء لله من عبيده ومخاليقه. وهم لا يبلغون أن يؤذوا الله. إنما هذا التعبير يصور الحساسية بإيذاء رسوله، وكأنما هو إيذاء لذاته جل وعلا. فما أفظع! وما أبشع! وما أشنع! ويستطرد كذلك إلى إيذاء المؤمنين والمؤمنات عامة. إيذاؤهم كذبا وبهتانا، بنسبة ما ليس فيهم إليهم من النقائص والعيوب:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2879