نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2877
بعد ذلك ينظم القرآن علاقة المسلمين ببيوت النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وبنسائه- أمهات المؤمنين- في حياته وبعد وفاته كذلك. ويواجه حالة كانت واقعة، إذ كان بعض المنافقين والذين في قلوبهم مرض يؤذون النبي- صلّى الله عليه وسلّم- في بيوته وفي نسائه. فيحذرهم تحذيرا شديدا، ويريهم شناعة جرمهم عند الله وبشاعته. ويهددهم بعلم الله لما يخفون في صدورهم من كيد وشر:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ- غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ- وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا. وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ. إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ. وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ. وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً. إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً. إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» ..
روى البخاري- بإسناده- عن أنس بن مالك قال: بنى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بزينب بنت جحش بخبز ولحم. فأرسلت على الطعام داعيا. فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون. ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون.
فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه. فقلت: يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه. قال: «ارفعوا طعامكم» .
وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فانطلق إلى حجرة عائشة- رضي الله عنها- فقال: «السّلام عليكم- أهل البيت- ورحمة الله وبركاته» . قالت: وعليك السّلام ورحمة الله.
كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ بارك الله لك. فتقرى حجر نسائه، كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن كما قالت عائشة. ثم رجع النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون. وكان النبي- صلّى الله عليه وسلّم- شديد الحياء. فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة. فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا. فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجه. أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب.
والآية تتضمن آدابا لم تكن تعرفها الجاهلية في دخول البيوت، حتى بيت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقد كان الناس يدخلون البيوت بلا إذن من أصحابها- كما جاء في شرح آيات سورة النور الخاصة بالاستئذان- وربما كان هذا الحال أظهر في بيوت النبي- صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن أصبحت هذه البيوت مهبط العلم والحكمة. وكان بعضهم يدخل وحين يرى طعاما يوقد عليه يجلس في انتظار نضج هذا الطعام ليأكل بدون دعوة إلى الطعام! وكان بعضهم يجلس بعد الطعام- سواء كان قد دعي إليه أو هجم هو عليه دون دعوة- ويأخذ في الحديث والسمر غير شاعر بما يسببه هذا من إزعاج للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- وأهله. وفي رواية أن أولئك الثلاثة الرهط الذين كانوا يسمرون كانوا يفعلون هذا وعروس النبي- زينب بنت جحش- جالسة وجهها إلى الحائط! والنبي- صلّى الله عليه وسلّم- يستحيي أن ينبههم إلى ثقلة مقامهم عنده حياء منه، ورغبة في ألا يواجه زواره بما يخجلهم! حتى تولى الله- سبحانه- عنه الجهر بالحق «وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» .
ومما يذكر أن عمر- رضي الله عنه- بحساسيته المرهفة كان يقترح على النبي- صلّى الله عليه وسلّم- الحجاب وكان يتمناه على ربه. حتى نزل القرآن الكريم مصدقا لاقتراحه مجيبا لحساسيته! من رواية للبخاري- بإسناده- عن أنس بن مالك. قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله. يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب..»
وجاءت هذه الآية تعلم الناس ألا يدخلوا بيوت النبي بغير إذن. فإذا دعوا إلى الطعام دخلوا. فأما إذا لم
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2877