نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2870
وقد روى البخاري- رحمه الله- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- كانت تفخر على أزواج النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله- تعالى- من فوق سبع سماوات.
ولم تمر المسألة سهلة، فلقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول: تزوج حليلة ابنه! ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يؤكدها ويزيل عنصر الغرابة فيها، ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية:
«ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» ..
فقد فرض له أن يتزوج زينب، وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء. وإذن فلا حرج في هذا الأمر، وليس النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فيه بدعا من الرسل.
«سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» ..
فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل. والتي تتعلق بحقائق الأشياء، لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس.
«وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» ..
فهو نافذ مفعول، لا يقف في وجهه شيء ولا أحد. وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن، منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه. ويعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها. وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا، ويقرر بنفسه السابقة الواقعية. ولم يكن بد من نفاذ أمر الله.
وسنة الله هذه قد مضت في الذين خلوا من قبل من الرسل:
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ» ..
فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة، ولا يخشون أحدا إلا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ.
«وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً» ..
فهو وحده الذي يحاسبهم، وليس للناس عليهم من حساب.
«ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» فزينب ليست حليلة ابنه، وزيد ليس ابن محمد. إنما هو ابن حارثة. ولا حرج إذن في الأمر حين ينظر إليه بعين الحقيقة الواقعة.
والعلاقة بين محمد- صلّى الله عليه وسلّم- وبين جميع المسلمين- ومنهم زيد بن حارثة- هي علاقة النبي بقومه، وليس هو أبا لأحد منهم:
«وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» ..
ومن ثم فهو يشرع الشرائع الباقية، لتسير عليها البشرية وفق آخر رسالة السماء إلى الأرض، التي لا تبديل فيها بعد ذلك ولا تغيير.
«وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» ..
فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية، وما يصلحها وهو الذي فرض على النبي ما فرض، واختار له
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2870