responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2855
أزواجه. قالت: فبدأ بي رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: «إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» - وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه- قالت: ثم قال: «إن الله تعالى قال: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أيّ هذا استأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
لقد جاء القرآن الكريم ليحدد القيم الأساسية في تصور الإسلام للحياة. هذه القيم التي ينبغي أن تجد ترجمتها الحية في بيت النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وحياته الخاصة وأن تتحقق في أدق صورة وأوضحها في هذا البيت الذي كان- وسيبقى- منارة للمسلمين وللإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ونزلت آيتا التخيير تحددان الطريق. فإما الحياة الدنيا وزينتها، وإما الله ورسوله والدار الآخرة. فالقلب الواحد لا يسع تصورين للحياة. وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
وقد كانت نساء النبي- صلّى الله عليه وسلّم- قد قلن: والله لا نسأل رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بعد هذا المجلس ما ليس عنده. فنزل القرآن ليقرر أصل القضية. فليست المسألة أن يكون عنده أو لا يكون.
إنما المسألة هي اختيار الله ورسوله والدار الآخرة كلية، أو اختيار الزينة والمتاع. سواء كانت خزائن الأرض كلها تحت أيديهن أم كانت بيوتهن خاوية من الزاد. وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة اختيارا مطلقا بعد هذا التخيير الحاسم. وكن حيث تؤهلهن مكانتهن من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وفي ذلك الأفق العالي الكريم اللائق ببيت الرسول العظيم. وفي بعض الروايات أن النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فرح بهذا الاختيار.
ونحب أن نقف لحظات أمام هذا الحادث نتدبره من بعض زواياه.
إنه يحدد التصور الإسلامي الواضح للقيم ويرسم الطريق الشعوري للإحساس بالدنيا والآخرة. ويحسم في القلب المسلم كل أرجحة وكل لجلجة بين قيم الدنيا وقيم الآخرة بين الاتجاه إلى الأرض والاتجاه إلى السماء. ويخلص هذا القلب من كل وشيجة غريبة تحول بينه وبين التجرد لله والخلوص له وحده دون سواه.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر يصور لنا هذا الحادث حقيقة حياة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- والذين عاشوا معه واتصلوا به. وأجمل ما في هذه الحقيقة أن تلك الحياة كانت حياة إنسان وحياة ناس من البشر لم يتجردوا من بشريتهم ومشاعرهم وسماتهم الإنسانية. مع كل تلك العظمة الفريدة البالغة التي ارتفعوا إليها ومع كل هذا الخلوص لله والتجرد مما عداه. فالمشاعر الإنسانية والعواطف البشرية لم تمت في تلك النفوس. ولكنها ارتفعت، وصفت من الأوشاب. ثم بقيت لها طبيعتها البشرية الحلوة، ولم تعوق هذه النفوس عن الارتفاع إلى أقصى درجات الكمال المقدر للإنسان.
وكثيرا ما نخطئ نحن حين نتصور للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- ولصحابته- رضوان الله عليهم- صورة غير حقيقية، أو غير كاملة، نجردهم فيها من كل المشاعر والعواطف البشرية، حاسبين أننا نرفعهم بهذا وننزههم عما نعده نحن نقصا وضعفا! وهذا الخطأ يرسم لهم صورة غير واقعية، صورة ملفعة بهالات غامضة لا نتبين من خلالها ملامحهم الإنسانية الأصيلة. ومن ثم تنقطع الصلة البشرية بيننا وبينهم. وتبقى شخوصهم في حسنا بين تلك الهالات أقرب إلى الأطياف التي لا تلمس ولا تتماسك في الأيدي! ونشعر بهم كما لو كانوا خلقا آخر غيرنا.. ملائكة أو خلقا مثلهم مجردا من مشاعر البشر وعواطفهم على كل حال! ومع شفافية هذه الصورة الخيالية فإنها

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2855
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست