responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2733
ثم تأتي قصة لوط عقب قصة إبراهيم، بعد ما هاجر إلى ربه مع إبراهيم، فنزلا بوادي الأردن ثم عاش لوط وحده في إحدى القبائل على ضفاف البحر الميت أو بحيرة لوط كما سميت فيما بعد. وكانت تسكن مدينة سدوم. وصار لوط منهم بالصهر والمعيشة.
ثم حدث أن فشا في القوم شذوذ عجيب، يذكر القرآن أنه يقع لأول مرة في تاريخ البشرية. ذلك هو الميل الجنسي المنحرف إلى الذكور بدلا من الإناث اللاتي خلقهن الله للرجال، لتتكون من الجنسين وحدات طبيعية منتجة تكفل امتداد الحياة بالنسل وفق الفطرة المطردة في جميع الأحياء. إذ خلقها الله أزواجا: ذكرانا وإناثا.
فلم يقع الشذوذ والانحراف إلى الجنس المماثل قبل قوم لوط هؤلاء:
«وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ. أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ، وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قالَ: رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ» ..
ومن خطاب لوط لقومه يظهر أن الفساد قد استشرى فيهم بكل ألوانه. فهم يأتون الفاحشة الشاذة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين:
يأتون الرجال. وهي فاحشة شاذة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفسادها من أعماقها. فالفطرة قد تفسد بتجاوز حد الاعتدال والطهارة مع المرأة، فتكون هذه جريمة فاحشة، ولكنها داخلة في نطاق الفطرة ومنطقها.
فأما ذلك الشذوذ الآخر فهو انخلاع من فطرة الأحياء جميعا. وفساد في التركيب النفسي والتركيب العضوي سواء. فقد جعل الله لذة المباشرة الجنسية بين الزوجين متناسقة مع خط الحياة الأكبر، وامتداده بالنسل الذي ينشأ عن هذه المباشرة. وجهز كيان كل من الزوجين بالاستعداد للالتذاذ بهذه المباشرة، نفسيا وعضويا، وفقا لذلك التناسق. فأما المباشرة الشاذة فلا هدف لها، ولم يجهز الله الفطرة بالتذاذها تبعا لانعدام الهدف منها. فإذا وجد فيها أحد لذة فمعنى هذا أنه انسلخ نهائيا من خط الفطرة، وعاد مسخا لا يرتبط بخط الحياة! ويقطعون السبيل، فينهبون المال، ويروعون المارة، ويعتدون على الرجال بالفاحشة كرها. وهي خطوة أبعد في الفاحشة الأولى، إلى جانب السلب والنهب والإفساد في الأرض..
ويأتون في ناديهم المنكر. يأتونه جهارا وفي شكل جماعي متفق عليه، لا يخجل بعضهم من بعض. وهي درجة أبعد في الفحش، وفساد الفطرة، والتبجح بالرذيلة إلى حد لا يرجى معه صلاح! والقصة هنا مختصرة، وظاهر أن لوطا أمرهم في أول الأمر ونهاهم بالحسنى وأنهم أصروا على ما هم فيه، فخوفهم عذاب الله، وجبههم بشناعة جرائمهم الكبرى:
«فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» ..
فهو التبجح في وجه الإنذار، والتحدي المصحوب بالتكذيب، والشرود الذي لا تنتظر منه أوبة. وقد أعذر إليهم رسولهم فلم يبق إلا أن يتوجه إلى ربه طالبا نصره الأخير:
«قالَ: رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ» ..
وهنا يسدل الستار على دعاء لوط، ليرفع عن الاستجابة. وفي الطريق يلم الملائكة المكلفون بالتنفيذ بإبراهيم، يبشرونه بولد صالح من زوجه التي كانت من قبل عقيما:
«وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ، إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ. قالَ: إِنَّ

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2733
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست