نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2734
فِيها لُوطاً. قالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ»
..
وهذا المشهد. مشهد الملائكة مع إبراهيم. مختصر في هذا الموضع لأنه ليس مقصودا قد سبق في قصة إبراهيم أن الله وهب له إسحاق ويعقوب وولادة إسحاق هي موضوع البشرى، ومن ثم لم يفصل قصتها هنا لأن الغرض هو إتمام قصة لوط. فذكر أن مرور الملائكة بإبراهيم كان للبشرى. ثم أخبروه بمهمتهم الأولى:
«إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ. إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ» ..
وأدركت إبراهيم رقته ورأفته، فراح يذكر الملائكة أن في هذه القرية لوطا وهو صالح وليس بظالم! وأجابه الرسل بما يطمئنه من ناحيته، ويكشف له عن معرفتهم بمهمتهم وأنهم أولى بهذه المعرفة! «قالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ» ..
وقد كان هواها مع القوم، تقر جرائمهم وانحرافهم، وهو أمر عجيب.
وينتقل إلى مشهد ثالث. مشهد لوط وقد جاء إليه الملائكة في هيئة فتية صباح ملاح وهو يعلم شنشنة قومه، وما ينتظر ضيوفه هؤلاء منهم من سوء لا يملك له دفعا. فضاق صدره وساءه حضورهم إليه، في هذا الظرف العصيب:
«وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً» ..
ويختصر هنا هجوم القوم على الضيوف، ومحاورة لوط لهم، وهم في سعار الشذوذ المريض.. ويمضي إلى النهاية الأخيرة. إذ يكشف له الرسل عن حقيقتهم، ويخبرونه بمهمتهم، وهو في هذا الكرب وذلك الضيق:
«وَقالُوا: لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ. إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ. إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» ..
وترسم هذه الآية مشهد التدمير الذي أصاب القرية وأهلها جميعا- إلا لوطا وأهله المؤمنين- وقد كان هذا التدمير بأمطار وأحجار ملوثة بالطين. ويغلب أنها ظاهرة بركانية قلبت المدينة وابتلعتها وأمطرت عليها هذا المطر الذي يصاحب البراكين.
وما تزال آثار هذا التدمير باقية تحدث عن آيات الله لمن يعقلها ويتدبرها من القرون:
«وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
وكان هذا هو المصير الطبيعي لهذه الشجرة الخبيثة التي فسدت وأنتنت، فلم تعد صالحة للإثمار ولا للحياة.
ولم تعد تصلح إلا للاجتثاث والتحطيم.
ثم إشارة إلى قصة شعيب ومدين:
«وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، فَقالَ: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» ..
وهي إشارة تبين وحدة الدعوة، ولباب العقيدة: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ» .. وعبادة الله الواحد هي قاعدة العقيدة. ورجاء اليوم الآخر كفيل بتحويلهم عما كانوا يرجونه في هذه الحياة الدنيا من الكسب المادي الحرام بالتطفيف في الكيل والميزان، وغصب المارين بطريقهم للتجارة، وبخس الناس أشياءهم، والإفساد في الأرض، والاستطالة على الخلق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2734