responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2732
ويمضي في القصة بعد نجاة إبراهيم من النار. فلقد يئس من إيمان القوم الذين لم تلن قلوبهم للمعجزة الواضحة.
فإذا هو يجبههم بحقيقة أمرهم، قبل أن يعتزلهم جميعا:
«وَقالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمَأْواكُمُ النَّارُ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» ..
إنه يقول لهم: إنكم اتخذتم الأوثان من دون الله، لا اعتقادا واقتناعا بأحقية هذه العبادة إنما يجامل بعضكم بعضا، ويوافق بعضكم بعضا، على هذه العبادة ولا يريد الصاحب أن يترك عبادة صاحبه- حين يظهر الحق له- استبقاء لما بينكم من مودة على حساب الحق والعقيدة! وإن هذا ليقع في الجماعات التي لا تأخذ العقيدة مأخذ الجد، فيسترضي الصاحب صاحبه على حساب العقيدة ويرى أمرها أهون من أن يخالف عليه صديقه! وهي الجد كل الجد. الجد الذي لا يقبل تهاونا ولا استرخاء ولا استرضاء.
ثم يكشف لهم عن صفحتهم في الآخرة. فإذا المودة التي يخشون أن يمسوها بالخلاف على العقيدة، والتي يبقون على عبادة الأوثان محافظة عليها.. إذا هي يوم القيامة عداء ولعن وانفصام:
«ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» ..
يوم يتنكر التابعون للمتبوعين، ويكفر الأولياء بالأولياء، ويتهم كل فريق صاحبه أنه أضله، ويلعن كل غوي صاحبه الذي أغواه! ثم لا يجدي ذلك الكفر والتلاعن شيئا، ولا يدفع عن أحد عذابا:
«وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» ..
النار التي أرادوا أن يحرقوه بها، فنصره الله منها ونجاه. فأما هم فلا نصرة لهم ولا نجاة! وانتهت دعوة إبراهيم لقومه، والمعجزة التي لا شك فيها. انتهت هذه وتلك بإيمان فرد واحد غير امرأته هو لوط. ابن أخيه فيما تذكر بعض الروايات. وهاجر معه من أور الكلدانيين في العراق، إلى ما وراء الأردن حيث استقر بهما المقام:
«فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ. وَقالَ: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
ونقف أمام قولة لوط: «إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» .. لنرى فيم هاجر. إنه لم يهاجر للنجاة. ولم يهاجر إلى أرض أو كسب أو تجارة. إنما هاجر إلى ربه. هاجر متقربا له ملتجئا إلى حماه. هاجر إليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه. هاجر إليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ويخلص له كيانه كله في مهجره، بعيدا عن موطن الكفر والضلال. بعد أن لم يبق رجاء في أن يفيء القوم إلى الهدى والإيمان بحال.
وعوض الله إبراهيم عن وطنه وعن قومه وعن أهله- عوضه عن هذا كله ذرية تمضي فيها رسالة الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فكل الأنبياء وكل الدعوات بعده كانت في ذريته. وهو عوض ضخم في الدنيا وفي الآخرة:
«وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ. وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ. وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» .
وهو فيض من العطاء جزيل، يتجلى فيه رضوان الله سبحانه على الرجل الذي يتمثل فيه الخلوص لله بكليته، والذي أجمع الطغيان على حرقه بالنار، فكان كل شيء من حوله بردا وسلاما، وعطفا وإنعاما. جزاء وفاقا.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2732
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست