نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2731
والعذاب والرحمة يتبعان مشيئة الله من حيث أنه بين طريق الهدى وطريق الضلال وخلق للإنسان من الاستعداد ما يختار به هذا أو ذاك، ويسر له الطريقين سواء، وهو بعد ذلك، وما يختار غير أن اتجاهه إلى الله ورغبته في هداه، ينتهيان به إلى عون الله له- كما كتب على نفسه- وإعراضه عن دلائل الهدى وصده عنها يؤديان به إلى الانقطاع والضلال. ومن ثم تكون الرحمة ويكون العذاب.
«وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ» .
تعبير عن المآب فيه عنف، يناسب المعنى بعده:
«وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» ..
فليس لكم من قوة في هذا الوجود تمتنعون بها من الانقلاب إلى الله. لا من قوتكم في الأرض، ولا من قوة ما تعبدونه أحيانا من الملائكة والجن وتحسبون له قوة في السماء.
«وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» ..
وأين من دون الله الولي والنصير؟ أين الولي والنصير من الناس؟ أو من الملائكة والجن؟ وكلهم عباد من خلق الله لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فوق أن يملكوا لسواهم شيئا؟
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
ذلك أنه لا ييأس الإنسان من رحمة الله إلا حين يكفر قلبه، وينقطع ما بينه وبين ربه. وكذلك هو لا يكفر إلا وقد يئس من اتصال قلبه بالله، وجفت نداوته، ولم يعد له إلى رحمة الله سبيل. والعاقبة معروفة: «وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
وبعد هذا الخطاب المعترض في ثنايا القصة، الذي جاء خطابا لكل منكر لدعوة الإيمان ولقوم إبراهيم ضمنا..
بعد هذا الخطاب يعود لبيان جواب قوم إبراهيم، فيبدو هذا الجواب غريبا عجيبا، ويكشف عن تبجح الكفر والطغيان، بما يملك من قوة ومن سلطان:
«فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ. فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
اقتلوه أو حرقوه.. ردا على تلك الدعوة الواضحة البسيطة المرتبة التي خاطب بها قلوبهم وعقولهم على النحو الذي بينا قيمته في عرض الدعوات.
وإذ أن الطغيان أسفر عن وجهه الكالح ولم يكن إبراهيم- عليه السّلام- يملك له دفعا، ولا يستطيع منه وقاية. وهو فرد أعزل لا حول ولا طول. فهنا تتدخل القدرة سافرة كذلك. تتدخل بالمعجزة الخارقة لمألوف البشر:
«فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ» ..
وكان في نجاته من النار على النحو الخارق الذي تمت به آية لمن تهيأ قلبه للإيمان. ولكن القوم لم يؤمنوا على الرغم من هذه الآية الخارقة، فدل هذا على أن الخوارق لا تهدي القلوب، إنما هو الاستعداد للهدى والإيمان:
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
الآية الأولى هي تلك النجاة من النار. والآية الثانية هي عجز الطغيان عن إيذاء رجل واحد يريد الله له النجاة.
والآية الثالثة هي أن الخارقة لا تهدي القلوب الجاحدة. ذلك لمن يريد أن يتدبر تاريخ الدعوات، وتصريف القلوب، وعوامل الهدى والضلال.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2731