responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2669
يتناسق مع ظل الفزع، ويتجلى الفزع فيه وكأنما الجبال مذعورة مع المذعورين، مفزوعة مع المفزوعين، هائمة مع الهائمين الحائرين المنطلقين بلا وجهة ولا قرار! «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» .
سبحانه! يتجلى إتقان صنعته في كل شيء في هذا الوجود. فلا فلتة ولا مصادفة، ولا ثغرة ولا نقص، ولا تفاوت ولا نسيان. ويتدبر المتدبر كل آثار الصنعة المعجزة، فلا يعثر على خلة واحدة متروكة بلا تقدير ولا حساب.
في الصغير والكبير، والجليل والحقير. فكل شيء بتدبير وتقدير، يدبر الرؤوس التي تتابعه وتتملاه [1] .
«إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ» ..
وهذا يوم الحساب عما تفعلون. قدره الله الذي اتقن كل شيء. وجاء به في موعده لا يستقدم ساعة ولا يستأخر ليؤدي دوره في سنة الخلق عن حكمة وتدبير وليحقق التناسق بين العمل والجزاء في الحياتين المتصلتين المتكاملتين، «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ. إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ» .
في هذا اليوم المفزع الرهيب يكون الأمن والطمأنينة من الفزع جزاء الذين أحسنوا في الحياة الدنيا، فوق ما ينالهم من ثواب هو أجزل من حسناتهم وأوفر:
«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها. وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» .
والأمن من هذا الفزع هو وحده جزاء. وما بعده فضل من الله ومنة. ولقد خافوا الله في الدنيا فلم يجمع عليهم خوف الدنيا وفزع الآخرة. بل أمنهم يوم يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
«وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» ..
وهو مشهد مفزع. وهم يكبون في النار على وجوههم. ويزيد عليهم التبكيت والتوبيخ! «هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟» ..
فقد تنكبوا الهدى، وأشاحوا عنه بوجوههم فهم يجزون به كبا لهذه الوجوه في النار وقد أعرضت من قبل عن الحق الواضح وضوح الليل والنهار.
وفي النهاية تجيء الإيقاعات الأخيرة: حيث يلخص الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- دعوته ومنهجه في الدعوة ويكلهم إلى مصيرهم الذي يرتضونه لأنفسهم بعد ما مضى من بيان ويختم بحمد الله كما بدأ، ويدعهم إلى الله يكشف لهم آياته، ويحاسبهم على ما يعملون:
«إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها، وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ، فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ: إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ. وَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها. وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
وهم كانوا يدينون بحرمة البلدة الحرام والبيت الحرام وكانوا يستمدون سيادتهم على العرب من عقيدة تحريم البيت ثم لا يوحدون الله الذي حرمه وأقام حياتهم كلها عليه.
فالرسول- صلّى الله عليه وسلّم- يقوّم العقيدة كما ينبغي أن تقوّم، فيعلن أنه مأمور أن يعبد رب هذه البلدة

[1] يراجع تفسير قوله تعالى: «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» في سورة الفرقان. الجزء التاسع عشر.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2669
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست