responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2668
هذا التكذيب المستنكر الذي ما كان ينبغي أن يكون.. ومثل هذا السؤال لا يكون عليه جواب إلا الصمت والوجوم، كأنما وقع على المسئول ما يلجم لسانه ويكبت جنانه:
«وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ» ..
وحق عليهم القضاء بسبب ظلمهم في الدنيا، وهم واجمون صامتون! ذلك على حين نطقت الدابة قبيل ذلك. وها هم الناس لا ينطقون! وذلك من بدائع التقابل في التعبير القرآني، وفي آيات الله التي يعبر عنها هذا القرآن.
ونسق العرض في هذه الجولة ذو طابع خاص، هو المزاوجة بين مشاهد الدنيا ومشاهد الآخرة، والانتقال من هذه إلى تلك في اللحظة المناسبة للتأثر والاعتبار.
وهو هنا ينتقل من مشهد المكذبين بآيات الله، المبهوتين في ساحة الحشر إلى مشهد من مشاهد الدنيا، كان جديرا أن يوقظ وجدانهم، ويدعوهم إلى التدبر في نظام الكون وظواهره، ويلقي في روعهم أن هناك إلها يرعاهم، ويهيئ لهم أسباب الحياة والراحة، ويخلق الكون مناسبا لحياتهم لا مقاوما لها ولا حربا عليها ولا معارضا لوجودها أو استمرارها:
«أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً؟ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
ومشهد الليل الساكن، ومشهد النهار المبصر، خليقان أن يوقظا في الإنسان وجدانا دينيا يجنح إلى الاتصال بالله، الذي يقلب الليل والنهار، وهما آيتان كونيتان لمن استعدت نفسه للإيمان، ولكنهم لا يؤمنون.
ولو لم يكن هناك ليل فكان الدهر كله نهارا لانعدمت الحياة على وجه الأرض وكذلك لو كان الدهر كله ليلا. لا بل إنه لو كان النهار أو الليل أطول مما هما الآن عشر مرات فقط لحرقت الشمس في النهار كل نبات، ولتجمد في الليل كل نبات. وعندئذ تستحيل الحياة. ففي الليل والنهار بحالتهما الموافقة للحياة آيات. ولكنهم لا يؤمنون.
ومن آيتي الليل والنهار في الأرض، وحياتهم الآمنة المكفولة في ظل هذا النظام الكوني الدقيق يعبر بهم في ومضة إلى يوم النفخ في الصور، وما فيه من فزع يشمل السماوات والأرض ومن فيهن من الخلائق إلا من شاء الله. وما فيه من تسيير للجبال الرواسي التي كانت علامة الاستقرار وما ينتهي إليه هذا اليوم من ثواب بالأمن والخير، ومن عقاب بالفزع والكب في النار:
«وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ. وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ، صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ. هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»
..
والصور البوق ينفخ فيه. وهذه هي نفخة الفزع الذي يشمل كل من في السماوات ومن في الأرض- إلا من شاء الله أن يأمن ويستقر.. قيل هم الشهداء.. وفيها يصعق كل حي في السماوات والأرض إلا من شاء الله.
ثم تكون نفخة البعث. ثم نفخة المحشر. وفي هذه يحشر الجميع «وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ» أذلاء مستسلمين.
ويصاحب الفزع الانقلاب الكوني العام الذي تختل فيه الأفلاك، وتضطرب دورتها. ومن مظاهر هذا الاضطراب أن تسير الجبال الراسية، وتمر كأنها السحاب في خفته وسرعته وتناثره. ومشهد الجبال هكذا

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2668
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست