نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2598
وعظم خطرهم، حتى ليحتاج الملك الإله- بزعمه! - إلى التعبئة العامة. ولا بد إذن من التهوين من شأن المؤمنين:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ» ! ففيم إذن ذلك الاهتمام بأمرهم، والاحتشاد لهم، وهم شرذمة قليلون! «وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ» ..
فهم يأتون من الأفعال والأقوال ما يغيظ ويغضب ويثير! وإذن فلهم شأن وخطر على كل حال! فليقل العملاء: إن هذا لا يهم فنحن لهم بالمرصاد:
«وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ» ..
مستيقظون لمكائدهم، محتاطون لأمرهم، ممسكون بزمام الأمور! إنها حيرة الباطل المتجبر دائما في مواجهة أصحاب العقيدة المؤمنين! وقبل أن يعرض المشهد الأخير، يعجل السياق بالعاقبة الأخيرة من إخراج فرعون وملئه مما كانوا فيه من متاع. ووراثة بني إسرائيل المستضعفين:
«فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. كَذلِكَ، وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ» ..
لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم. فكانت خرجتهم هذه هي الأخيرة. وكانت إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم! لذلك يذكر هذا المصير الأخير عقب خروجهم يقفون أثر المؤمنين. تعجيلا بالجزاء على الظلم والبطر والبغي الوخيم.
«وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ» ..
ولا يعرف أن بني إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه. لذلك يقول المفسرون: إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون وملئه. فهي وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم.
وبعد هذا الاعتراض يجيء المشهد الحاسم الأخير:
«فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ. فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» ..
لقد أسرى موسى بعباد الله، بوحي من الله وتدبير. فأتبعهم جنود فرعون في الصباح بمكر من فرعون وبطر.
ثم ها هو ذا المشهد يقترب من نهايته. والمعركة تصل إلى ذروتها.. إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين. وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون! وقالت دلائل الحال كلها: أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم:
«قالَ أَصْحابُ مُوسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» ..
وبلغ الكرب مداه، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2598