responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2597
هذه الصلة البعيدة، وقلب الأمر فبدلا من أن يقول: إنه لتلميذكم قال: إنه لكبيركم. ليزيد الأمر ضخامة وتهويلا في أعين الجماهير! ثم جعل يهدد بالعذاب الغليظ بعد التهويل فيما ينتظر المؤمنين:
«فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» ..
إنها الحماقة التي يرتكبها كل طاغية، حينما يحس بالخطر على عرشه أو شخصه، يرتكبها في عنف وغلظة وبشاعة، بلا تحرج من قلب أو ضمير.. وإنها لكلمة فرعون الطاغية المتجبر الذي يملك تنفيذ ما يقول..
فما تكون كلمة الفئة المؤمنة التي رأت النور! إنها كلمة القلب الذي وجد الله فلم يعد يحفل ما يفقد بعد هذا الوجدان. القلب الذي اتصل بالله فذاق طعم العزة فلم يعد يحفل الطغيان. القلب الذي يرجو الآخرة فلا يهمه من أمر هذه الدنيا قليل ولا كثير:
«قالُوا: لا ضَيْرَ. إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» ..
لا ضير. لا ضير في تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف [1] . لا ضير في التصليب والعذاب. لا ضير في الموت والاستشهاد.. لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون. وليكن في هذه الأرض ما يكون: فالمطمع الذي نتعلق به ونرجوه «أن يغفر لنا ربنا خطايانا» جزاء «أن كنا أول المؤمنين» .. وأن كنا نحن السابقين..
يا لله! يا لروعة الإيمان إذ يشرق في الضمائر. وإذ يفيض على الأرواح. وإذ يكسب الطمأنينة في النفوس.
وإذ يرتفع بسلالة الطين إلى أعلى عليين. وإذ يملأ القلوب بالغنى والذخر والوفر، فإذا كل ما في الأرض تافه حقير زهيد.
هنا يسدل السياق الستار على هذه الروعة الغامرة. لا يزيد شيئا. ليبقى للمشهد جلاله الباهر وإيقاعه العميق.
وهو يربي به النفوس في مكة وهي تواجه الأذى والكرب والضيق ويربي به كل صاحب عقيدة يواجه بها الطغيان والعسف والتعذيب.
فأما بعد ذلك فالله يتولى عباده المؤمنين. وفرعون يتآمر ويجمع جنوده أجمعين:
«وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ.. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ. إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ» ..
وهنا فجوة في الوقائع والزمن لا تذكر في هذا الموضع. فقد عاش موسى وبنو إسرائيل فترة بعد المباراة، وقعت فيها الآيات الأخرى المذكورة في سورة الأعراف [2] قبل أن يوحي الله لموسى بالرحيل بقومه. ولكن السياق هنا يطويها ليصل إلى النهاية المناسبة لموضوع السورة واتجاهها الأصيل.
لقد أوحى الله إلى موسى إذن أن يسري بعباده، وأن يرحل بهم ليلا، بعد تدبير وتنظيم. ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده وأمره أن يقود قومه إلى ساحل البحر (وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات) وعلم فرعون بخروج بني إسرائيل خلسة، فأمر بما يسمى «التعبئة العامة» وأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له الجنود، ليدرك موسى وقومه ويفسد عليهم تدبيرهم وهو لا يعلم أنه تدبير صاحب التدبير! وانطلق عملاء فرعون يجمعون الجند.. ولكن هذا الجمع قد يشي بانزعاج فرعون، وبقوة موسى ومن معه

[1] اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، واليد اليسرى مع الرجل اليمنى.
[2] الجزء التاسع من الظلال ص 1356- 1359.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2597
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست