نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2599
ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه، لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون. فهي لا بد كائنة والله هو الذي يوجهه ويرعاه.
«قالَ: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ» ..
كلا. في شدة وتوكيد. كلا لن نكون مدركين. كلا لن نكون هالكين. كلا لن نكون مفتونين. كلا لن نكون ضائعين «كلا إن معي ربي سيهدين» بهذا الجزم والتأكيد واليقين.
وفي اللحظة الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والكرب، وينفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون:
«فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ» ..
ولا يتمهل السياق ليقول إنه ضرب بعصاه البحر. فهذا مفهوم. إنما يعجل بالنتيجة:
«فَانْفَلَقَ. فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» ..
ووقعت المعجزة، وتحقق الذي يقول عنه الناس: مستحيل. لأنهم يقيسون سنة الله على المألوف المكرور.
والله الذي خلق السنن قادر على أن يجريها وفق مشيئته عند ما يريد.
وقعت المعجزة وانكشف بين فرقي الماء طريق. ووقف الماء على جانبي الطريق كالطود العظيم. واقتحم بنو إسرائيل..
ووقف فرعون مع جنوده مبغوتا مشدوها بذلك المشهد الخارق، وذلك الحادث العجيب.
ولا بد أن يكون قد وقف مبهوتا فأطال الوقوف- وهو يرى موسى وقومه يعبرون الخضم في طريق مكشوف- قبل أن يأمر جنوده بالاقتحام وراءهم في ذلك الطريق العجيب.
وتم تدبير الله. فخرج بنو إسرائيل من الشاطئ الآخر، بينما كان فرعون وجنوده بين فرقي الماء أجمعين.
وقد قربهم الله لمصيرهم المحتوم:
«وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ» ..
«ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» !!! ومضت آية في الزمان، تتحدث عنها القرون. فهل آمن بها الكثيرون؟
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً. وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ» .
فالآيات الخارقة لا تستتبع الإيمان حتما. وإن خضع لها الناس قسرا. إنما الإيمان هدي في القلوب.
«وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» ..
التعقيب المعهود في السورة بعد عرض الآيات والتكذيب..