نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2594
بالا، لطول الألفة والتكرار، أو لأنهم لا يشهدون التحول على سبيل التحدي فأما في مثل هذا المشهد. وموسى- عليه السّلام- يلقي في وجه فرعون بهاتين الخارقتين فالأمر يزلزل ويرهب.
وقد أحس فرعون بضخامة المعجزة وقوتها فأسرع يقاومها ويدفعها وهو يحس ضعف موقفه، ويكاد يتملق القوم من حوله ويهيج مخاوفهم من موسى وقومه، ليغطي على وقع المعجزة المزلزلة:
«قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ، فَماذا تَأْمُرُونَ؟» ..
وفي قولة فرعون هذه يبدو إقراره بعظمة المعجزة وإن كان يسميها سحرا فهو يصف صاحبها بأنه ساحر «عليم» . ويبدو ذعره من تأثر القوم بها فهو يغريهم به: «يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ» . ويبدو تضعضعه وتهاويه وتواضعه للقوم الذين يجعل نفسه لهم إلها، فيطلب أمرهم ومشورتهم: «فماذا تأمرون؟» ومتى كان فرعون يطلب أمر أتباعه وهم له يسجدون! وتلك شنشنة الطغاة حينما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم. عندئذ يلينون في القول بعد التجبر.
ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام. ويتظاهرون بالشورى في الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى.
ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم هم جبابرة مستبدون ظالمون! وأشار عليه الملأ وقد خدعتهم مكيدته، وهم شركاء فرعون في باطله، وأصحاب المصلحة في بقاء الأوضاع التي تجعلهم حاشية مقربة ذات نفوذ وسلطان وقد خافوا أن يغلبهم موسى وبنو إسرائيل على أرضهم لو اتبعتهم الجماهير، حين ترى معجزتي موسى وتسمع إلى ما يقول.. أشاروا عليه أن يلقى سحره بسحر مثله، بعد التهيئة والاستعداد:
«قالُوا: أَرْجِهْ وَأَخاهُ. وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ» ..
أي أمهله وأخاه إلى أجل وابعث رسلك إلى مدائن مصر الكبرى. يجمعون السحرة المهرة، لإقامة مباراة للسحر بينهم وبينه.
وهنا يسدل الستار على هذا المشهد ليرفع على مشهد السحرة يحشدون، والناس يجمعون للمباراة، وتبث فيهم الحماسة للسحرة ومن خلفهم من أصحاب السلطان وتهيأ أرض المباراة بين الحق والباطل، أو بين الإيمان والطغيان.
«فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. وَقِيلَ لِلنَّاسِ: هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ، لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ؟» ..
وتظهر من التعبير حركة الإهاجة والتحميس للجماهير: «هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ، لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ؟» هل لكم في التجمع وعدم التخلف عن الموعد، ليترقب فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي! والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور، دون أن تفطن إلى أن حكامها الطغاة يلهون بها ويعبثون، ويشغلونها بهذه المباريات والاحتفالات والتجمعات، ليلهوها عما تعاني من ظلم وكبت وبؤس. وهكذا تجمع المصريون ليشهدوا المباراة بين السحرة وموسى عليه السّلام! ثم يجيء مشهد السحرة بحضرة فرعون قبل المباراة يطمئنون على الأجر والمكافأة إن كانوا هم الغالبين
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2594