responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2595
ويتلقون من فرعون الوعد بالأجر الجزيل والقربى من عرشه الكريم! «فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ: أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ؟ قالَ: نَعَمْ، وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» ..
وهكذا ينكشف الموقف عن جماعة مأجورة يستعين بها فرعون الطاغية تبذل مهارتها في مقابل الأجر الذي تنتظره ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية، ولا شيء سوى الأجر والمصلحة. وهؤلاء هم الذين يستخدمهم الطغاة دائما في كل مكان وفي كل زمان.
وها هم أولاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع. وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر. يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه. وهو بزعمه الملك والإله! ثم إذا مشهد المباراة الكبرى وأحداثه الجسام:
«قالَ لَهُمْ مُوسى: أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ. فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، وَقالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ: فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ. قالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ. قالَ: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ! إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ. قالُوا: لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» ..
ويبدأ المشهد هادئا عاديا. إلا أنه يشي منذ البدء باطمئنان موسى إلى الحق الذي معه وقلة اكتراثه لجموع السحرة المحشودين من المدائن، المستعدين لعرض أقصى ما يملكون من براعة، ووراءهم فرعون وملؤه، وحولهم تلك الجماهير المضللة المخدوعة.. يتجلى هذا الاطمئنان في تركه إياهم يبدأون:
«قالَ لَهُمْ مُوسى: أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ» ..
وفي التعبير ذاته ما يشي بالاستهانة: «ألقوا ما أنتم ملقون» .. بلا مبالاة ولا تحديد ولا اهتمام.
وحشد السحرة أقصى مهارتهم وأعظم كيدهم وبدأوا الجولة باسم فرعون وعزته:
«فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا: بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ» ..
ولا يفصل السياق هنا ما كان من أمر حبالهم وعصيهم، كما فصله في سورة الأعراف وطه، ليبقى ظل الطمأنينة والثبات للحق، وينتهي مسارعا إلى عاقبة المباراة بين الحق والباطل لأن هذا هو هدف السورة الأصيل.
«فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ، فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» ..
ووقعت المفاجأة المذهلة التي لم يكن يتوقعها كبار السحرة فلقد بذلوا غاية الجهد في فنهم الذي عاشوا به وأتقنوه وجاءوا بأقصى ما يملك السحرة أن يصنعوه. وهم جمع كثير. محشود من كل مكان. وموسى وحده، وليس معه إلا عصاه. ثم إذا هي تلقف ما يأفكون واللقف أسرع حركة للأكل. وعهدهم بالسحر أن يكون تخييلا، ولكن هذه العصا تلقف حبالهم وعصيهم حقا. فلا تبقي لها أثرا. ولو كان ما جاء به موسى سحرا، لبقيت حبالهم وعصيهم بعد أن خيل لهم وللناس أن حية موسى ابتلعتها. ولكنهم ينظرون فلا يجدونها فعلا! عندئذ لا يملكون أنفسهم من الإذعان للحق الواضح الذي لا يقبل جدلا. وهم أعرف الناس بأنه الحق:
َأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ. قالُوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ»
..
وهم قد كانوا منذ لحظة مأجورين ينتظرون الجزاء من فرعون على مهارتهم، ولم يكونوا أصحاب عقيدة

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2595
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست