responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2523
والتأمل في تقلب الليل والنهار بهذا النظام الذي لا يختل ولا يفتر يوقظ في القلب الحساسية وتدبر الناموس الذي يصرف هذا الكون والتأمل في صنع الله. والقرآن يوجه القلب إلى هذه المشاهد التي ذهبت الألفة بوقعها المثير ليواجه القلب هذا الكون دائما بحس جديد، وانفعال جديد. فعجيبة الليل والنهار كم شاقت القلب البشري، وهو يتأملها أول مرة. وهي هي لم تتغير ولم تفقد جمالها وروعتها. إنما القلب البشري هو الذي صدئ وهمد، فلم يعد يخفق لها. وكم ذا نفقد من حياتنا، وكم ذا نخسر من جمال هذا الوجود، حين نمر غافلين بهذه الظواهر التي شاقت حسّنا وهي جديدة. أو وحسّنا هو الجديد! والقرآن يجدد حسّنا الخامد، ويوقظ حواسنا الملول. ويلمس قلبنا البارد. ويثير وجداننا الكليل لنرتاد هذا الكون دائما كما ارتدناه أول مرة. نقف أمام كل ظاهرة نتأملها، ونسألها عما وراءها من سر دفين، ومن سحر مكنون. ونرقب يد الله تفعل فعلها في كل شيء من حولنا، ونتدبر حكمته في صنعته، ونعتبر بآياته المبثوثة في تضاعيف الوجود.
إن الله- سبحانه- يريد أن يمن علينا، بأن يهبنا الوجود مرة كلما نظرنا إلى إحدى ظواهره فاستعدنا نعمة الإحساس بها كأننا نراها أول مرة. فنظل نجد الكون مرات لا تحصى. وكأننا في كل مرة نوهبه من جديد ونستمتع به من جديد.
وإن هذا الوجود لجميل وباهر ورائع. وإن فطرتنا لمتوافقة مع فطرته، مستمدة من النبع الذي يستمد منه، قائمة على ذات الناموس الذي يقوم عليه. فالاتصال بضمير هذا الوجود يهبنا أنسا وطمأنينة، وصلة ومعرفة، وفرحة كفرحة اللقاء بالقريب الغائب أو المحجوب! وإننا لنجد نور الله هناك. فالله نور السماوات والأرض.. نجده في الآفاق وفي أنفسنا في ذات اللحظة التي نشهد فيها هذا الوجود بالحس البصير، والقلب المتفتح، والتأمل الواصل إلى حقيقة التدبير.
لهذا يوقظنا القرآن المرة بعد المرة، ويوجه حسنا وروحنا إلى شتى مشاهد الوجود الباهرة، كي لا نمر عليها غافلين مغمضي الأعين، فنخرج من رحلة الحياة على ظهر هذه الأرض بغير رصيد. أو برصيد قليل هزيل..
ويمضي السياق في عرض مشاهد الكون، واستثارة تطلعنا إليها فيعرض نشأة الحياة، من أصل واحد، وطبيعة واحدة، ثم تنوعها، مع وحدة النشأة والطبيعة:
«وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ. يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة، حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء، قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعا، وهو الماء، وقد تعني ما يحاول العلم الحديث أن يثبته من أن الحياة خرجت من البحر ونشأت أصلا في الماء. ثم تنوعت الأنواع، وتفرعت الأجناس..
ولكننا نحن على طريقتنا في عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل..
لا نزيد على هذه الإشارة شيئا. مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية. وهي أن الله خلق الأحياء كلها من الماء.
فهي ذات أصل واحد. ثم هي- كما ترى العين- متنوعة الأشكال. منها الزواحف تمشي على بطنها، ومنها الإنسان والطير يمشي على قدمين. ومنها الحيوان يدب على أربع. كل أولئك وفق سنة الله ومشيئته، لا عن فلتة ولا مصادفة: «يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ» غير مقيد بشكل ولا هيئة. فالنواميس والسنن التي تعمل في الكون

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2523
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست