نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2522
وأشكال شتى. ولكنهم بعد ذلك كله يلتقون في الله، ويتوجهون إليه، ويسبحون بحمده: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ» ..
والقرآن يوجه الإنسان إلى النظر فيما حوله من صنع الله، وإلى من حوله من خلق الله في السماوات والأرض، وهم يسبحون بحمده وتقواه ويوجه بصره وقلبه خاصة إلى مشهد في كل يوم يراه، فلا يثير انتباهه ولا يحرك قلبه لطول ما يراه. ذلك مشهد الطير صافات أرجلها وهي طائرة في الفضاء تسبح بحمد الله: «كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ» .. والإنسان وحده هو الذي يغفل عن تسبيح ربه وهو أجدر خلق الله بالإيمان والتسبيح والصلاة.
وإن الكون ليبدو في هذا المشهد الخاشع متجها كله إلى خالقه، مسبحا بحمده، قائما بصلاته وإنه لكذلك في فطرته، وفي طاعته لمشيئة خالقه الممثلة في نواميسه. وإن الإنسان ليدرك- حين يشف- هذا المشهد ممثلا في حسه كأنه يراه وإنه ليسمع دقات هذا الكون وإيقاعاته تسابيح لله. وإنه ليشارك كل كائن في هذا الوجود صلاته ونجواه.. كذلك كان محمد بن عبد الله- صلاة الله وسلامه عليه- إذا مشى سمع تسبيح الحصى تحت قدميه. وكذلك كان داود- عليه السلام- يرتل مزاميره فتؤوب الجبال معه والطير.
«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» ..
فلا اتجاه إلا إليه، ولا ملجأ من دونه، ولا مفر من لقائه، ولا عاصم من عقابه، وإلى الله المصير.
ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين وفيها متعة للنظر، وعبرة للقلب، ومجال للتأمل في صنع الله وآياته، وفي دلائل النور والهدى والإيمان:
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً، ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً، فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ، يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ» ..
والمشهد يعرض على مهل وفي إطالة، وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع. كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه، وبعثه إلى التأمل والعبرة، وتدبر ما وراءها من صنع الله.
إن يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلى مكان. ثم تؤلف بينه وتجمعه، فإذا هو ركام بعضه فوق بعض. فإذا ثقل خرج منه الماء، والوبل الهاطل، وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة، فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة.. ومشهد السحب كالجبال لا يبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها، فإذا المشهد مشهد الجبال حقا، بضخامتها، ومساقطها، وارتفاعاتها وانخفاضاتها. وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس، إلا بعد ما ركبوا الطائرات.
وهذه الجبال مسخرة بأمر الله، وفق ناموسه الذي يحكم الكون ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء، ويصرفه عمن يشاء.. وتكملة المشهد الضخم: «يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ» ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض، على طريقة التناسق في التصوير.
ثم مشهد كوني ثالث: مشهد الليل والنهار:
«يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2522