responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2521
في مقابل ذلك النور المتجلي في السماوات والأرض، المتبلور في بيوت الله، المشرق في قلوب أهل الإيمان..
يعرض السياق مجالا آخر. مجالا مظلما لا نور فيه. مخيفا لا أمن فيه. ضائعا لا خير فيه. ذلك هو مجال الكفر الذي يعيش فيه الكفار:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ، يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً، حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ. وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ. ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» ..
والتعبير يرسم لحال الكافرين ومآلهم مشهدين عجيبين، حافلين بالحركة والحياة.
في المشهد الأول يرسم أعمالهم كسراب في أرض مكشوفة مبسوطة، يلتمع التماعا كاذبا، فيتبعه صاحبه الظامئ، وهو يتوقع الري غافلا عما ينتظره هناك.. وفجأة يتحرك المشهد حركة عنيفة. فهذا السائر وراء السراب، الظامئ الذي يتوقع الشراب، الغافل عما ينتظره هناك.. يصل. فلا يجد ماء يرويه، إنما يجد المفاجأة المذهلة التي لم تخطر له ببال، المرعبة التي تقطع الأوصال، وتورث الخبال: «وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ» ! الله الذي كفر به وجحده، وخاصمه وعاداه. وجده هنالك ينتظره! ولو وجد في هذه المفاجأة خصما له من بني البشر لروّعه، وهو ذاهل غافل على غير استعداد. فكيف وهو يجد الله القوي المنتقم الجبار؟
«فَوَفَّاهُ حِسابَهُ» .. هكذا في سرعة عاجلة تتناسق مع البغتة والفجاءة، «وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ» .. تعقيب يتناسق مع المشهد الخاطف المرتاع! وفي المشهد الثاني تطبق الظلمة بعد الالتماع الكاذب ويتمثل الهول في ظلمات البحر اللجي. موج من فوقه موج. من فوقه سحاب. وتتراكم الظلمات بعضها فوق بعض، حتى ليخرج يده أمام بصره فلا يراها لشدة الرعب والظلام! إنه الكفر ظلمة منقطعة عن نور الله الفائض في الكون. وضلال لا يرى فيه القلب أقرب علامات الهدى.
ومخافة لا أمن فيها ولا قرار.. «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» .. ونور الله هدى في القلب وتفتح في البصيرة واتصال في الفطرة بنواميس الله في السماوات والأرض والتقاء بها على الله نور السماوات والأرض.
فمن لم يتصل بهذا النور فهو في ظلمة لا انكشاف لها، وفي مخالفة لا أمن فيها، وفي ضلال لا رجعة منه. ونهاية العمل سراب ضائع يقود إلى الهلاك والعذاب لأنه لا عمل بغير عقيدة، ولا صلاح بغير إيمان. إن هدى الله هو الهدى. وإن نور الله هو النور.
ذلك مشهد الكفر والضلال والظلام في عالم الناس، يتبعه مشهد الإيمان والهدى والنور في الكون الفسيح.
مشهد يتمثل فيه الوجود كله، بمن فيه وما فيه، شاخصا يسبح لله: إنسه وجنه، أملاكه وأفلاكه، أحياؤه وجماده.. وإذا الوجود كله تتجاوب بالتسبيح أرجاؤه، في مشهد يرتعش له الوجدان حين يتملاه:
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ» ..
إن الإنسان ليس مفردا في هذا الكون الفسيح فإن من حوله، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته وحيثما امتد به النظر أو طاف به الخيال.. إخوان له من خلق الله، لهم طبائع شتى، وصور شتى،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2521
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست