نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2498
وهكذا عاش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته. وعاش أبو بكر- رضي الله عنه- وأهل بيته. وعاش صفوان بن المعطل. وعاش المسلمون جميعا هذا الشهر كله في مثل هذا الجو الخانق، وفي ظل تلك الآلام الهائلة، بسبب حديث الإفك الذي نزلت فيه تلك الآيات.
وإن الإنسان ليقف متململا أمام هذه الصورة الفظيعة لتلك الفترة الأليمة في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأمام تلك الآلام العميقة اللاذعة لعائشة زوجه المقربة. وهي فتاة صغيرة في نحو السادسة عشرة.
تلك السن المليئة بالحساسية المرهفة والرفرفة الشفيفة.
فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة. ها هي ذي في براءتها ووضاءة ضميرها، ونظافة تصوراتها. ها هي ذي ترمى في أعز ما تعتز به. ترمى في شرفها. وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الطاهر الرفيع. وترمى في أمانتها. وهي زوج محمد بن عبد الله من ذروة بني هاشم. وترمى في وفائها. وهي الحبيبة المدللة القريبة من ذلك القلب الكبير.. ثم ترمى في إيمانها. وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام، من أول يوم تفتحت عيناها فيه على الحياة. وهي زوج رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ها هي ذي ترمى، وهي بريئة غارة غافلة، لا تحتاط لشيء، ولا تتوقع شيئا فلا تجد ما يبرئها إلا أن ترجو في جناب الله، وتترقب أن يرى رسول الله رؤيا، تبرئها مما رميت به. ولكن الوحي يتلبث، لحكمة يريدها الله، شهرا كاملا وهي في مثل هذا العذاب.
ويا لله لها وهي تفاجأ بالنبإ من أم مسطح. وهي مهدودة من المرض، فتعاودها الحمى وهي تقول لأمها في أسى: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا؟ وفي رواية أخرى تسأل: وقد علم به أبي؟ فتجيب أمها:
نعم! فتقول: ورسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ - فتجيبها أمها كذلك: نعم! ويا لله لها ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- نبيها الذي تؤمن به ورجلها الذي تحبه، يقول لها: «أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه» .. فتعلم أنه شاك فيها، لا يستيقن من طهارتها، ولا يقضي في تهمتها. وربه لم يخبره بعد، ولم يكشف له عن براءتها التي تعلمها ولكن لا تملك إثباتها فتمسي وتصبح وهي متهمة في ذلك القلب الكبير الذي أحبها، وأحلها في سويدائه! وها هو ذا أبو بكر الصديق- في وقاره وحساسيته وطيب نفسه- يلذعه الألم، وهو يرمى في عرضه.
في ابنته زوج محمد- صاحبه الذي يحبه ويطمئن إليه، ونبيه الذي يؤمن به ويصدقه تصديق القلب المتصل، لا يطلب دليلا من خارجه.. وإذا الألم يفيض على لسانه، وهو الصابر المحتسب القوي على الألم، فيقول:
والله ما رمينا بهذا في جاهلية. أفنرضى به في الإسلام؟ وهي كلمة تحمل من المرارة ما تحمل. حتى إذا قالت له ابنته المريضة المعذبة: أجب عني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في مرارة هامدة: والله ما أدري ما أقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم! وأم رومان- زوج الصديق رضي الله عنهما- وهي تتماسك أمام ابنتها المفجوعة في كل شيء. المريضة التي تبكي حتى تظن أن البكاء فالق كبدها. فتقول لها: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.. ولكن هذا التماسك يتزايل وعائشة تقول لها:
أجيبي عني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتقول كما قال زوجها من قبل: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2498