نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2499
والرجل المسلم الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل. وهو يرمى بخيانة نبيه في زوجه.
فيرمى بذلك في إسلامه، وفي أمانته، وفي شرفه، وفي حميته. وفي كل ما يعتز به صحابي، وهو من ذلك كله بريء. وهو يفاجأ بالاتهام الظالم وقلبه بريء من تصوره، فيقول: سبحان الله! والله ما كشفت كتف أنثى قط. ويعلم أن حسان بن ثابت يروج لهذا الإفك عنه، فلا يملك نفسه أن يضربه بالسيف على رأسه ضربة تكاد تودي به. ودافعه إلى رفع سيفه على امرئ مسلم، وهو منهي عنه، أن الألم قد تجاوز طاقته، فلم يملك زمام نفسه الجريح! ثم ها هو ذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله، وهو في الذروة من بني هاشم.. ها هو ذا يرمى في بيته. وفي من؟ في عائشة التي حلت من قلبه في مكان الابنة والزوجة والحبيبة. وها هو ذا يرمى في طهارة فراشه، وهو الطاهر الذي تفيض منه الطهارة. وها هو ذا يرمى في صيانة حرمته، وهو القائم على الحرمات في أمته. وها هو ذا يرمى في حياطة ربه له، وهو الرسول المعصوم من كل سوء.
ها هو ذا- صلى الله عليه وسلم- يرمى في كل شيء حين يرمى في عائشة- رضي الله عنها- يرمى في فراشه وعرضه، وقلبه ورسالته. يرمى في كل ما يعتز به عربي، وكل ما يعتز به نبي.. ها هو ذا يرمى في هذا كله ويتحدث الناس به في المدينة شهرا كاملا، فلا يملك أن يضع لهذا كله حدا. والله يريد لحكمة يراها أن يدع هذا الأمر شهرا كاملا لا يبين فيه بيانا. ومحمد الإنسان يعاني ما يعانيه الإنسان في هذا الموقف الأليم.
يعاني من العار، ويعاني فجيعة القلب ويعاني فوق ذلك الوحشة المؤرقة. الوحشة من نور الله الذي اعتاد أن ينير له الطريق.. والشك يعمل في قلبه- مع وجود القرائن الكثيرة على براءة أهله، ولكنه لا يطمئن نهائيا إلى هذه القرائن- والفرية تفوح في المدينة، وقلبه الإنساني المحب لزوجه الصغيرة يتعذب بالشك فلا يملك أن يطرد الشك. لأنه في النهاية بشر، ينفعل في هذا انفعالات البشر. وزوج لا يطيق أن يمس فراشه.
ورجل تتضخم بذرة الشك في قلبه متى استقرت، ويصعب عليه اقتلاعها دون دليل حاسم.
وها هو ذا يثقل عليه العبء وحده، فيبعث إلى أسامة بن زيد. حبه القريب إلى قلبه.. ويبعث إلى علي ابن أبي طالب. ابن عمه وسنده. يستشيرهما في خاصة أمره. فأما علي فهو من عصب محمد، وهو شديد الحساسية بالموقف لهذا السبب. ثم هو شديد الحساسية بالألم والقلق اللذين يعتصران قلب محمد، ابن عمه وكافله. فهو يشير بأن الله لم يضيق عليه. ويشير مع هذا بالتثبت من الجارية ليطمئن قلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويستقر على قرار. وأما أسامة فيدرك ما بقلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الود لأهله، والتعب لخاطر الفراق، فيشير بما يعلمه من طهارة أم المؤمنين، وكذب المفترين الأفاكين.
ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في لهفة الإنسان، وفي قلق الإنسان، يستمد من حديث أسامة، ومن شهادة الجارية مددا وقوة يواجه بهما القوم في المسجد، فيستعذر ممن نالوا عرضه، ورموا أهله، ورموا رجلا من فضلاء المسلمين لا يعلم أحد عليه من سوء.. فيقع بين الأوس والخزرج ما يقع من تناور- وهم في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي حضرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويدل هذا على الجو الذي كان يظلل الجماعة المسلمة في هذه الفترة الغريبة، وقد خدشت قداسة القيادة، ويحز هذا في نفس الرسول- صلى الله عليه وسلم- والنور الذي اعتاد أن يسعفه لا ينير له الطريق! فإذا هو يذهب إلى عائشة نفسها يصارحها بما يقول الناس ويطلب منها هي البيان الشافي المريح! وعند ما تصل الآلام إلى ذروتها على هذا النحو يتعطف عليه ربه، فيتنزل القرآن ببراءة عائشة الصديقة
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2499