responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2372
إنما هو فرض جدلي لتقرير حقيقة مجردة.. هي أن كل ما يتعلق بذات الله- سبحانه- قديم لا حادث، وباق غير فان. فلو أراد- سبحانه- أن يتخذ لهوا لما كان هذا اللهو حادثا، ولا كان متعلقا بحادث كالسماء والأرض وما بينهما فكلها حوادث.. إنما كان يكون ذاتيا من لدنه سبحانه. فيكون أزليا باقيا. لأنه يتعلق بالذات الأزلية الباقية.
إنما الناموس المقرر والسنة المطردة ألا يكون هناك لهو، إنما يكون هناك جد، ويكون هناك حق فيغلب الحق الأصيل على الباطل العارض:
«بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» ..
و «بَلْ» للإضراب عن الحديث في موضوع اللهو والعدول عنه إلى الحديث في الواقع المقرر الذي تجري به السنة ويقتضيه الناموس. وهو غلبة الحق وزهوق الباطل.
والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية حية متحركة. فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة. تقذف به على الباطل، فيشق دماغه! فإذا هو زاهق هالك ذاهب..
هذه هي السنة المقررة، فالحق أصيل في طبيعة الكون، عميق في تكوين الوجود. والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا، طارئ لا أصالة فيه، ولا سلطان له، يطارده الله، ويقذف عليه بالحق فيدمغه.
ولا بقاء لشيء يطارده الله ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه! ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير. وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب، ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب. وإن هي إلا فترة من الزمان، يمد الله فيها ما يشاء، للفتنة والابتلاء. ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء.
والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه.. فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة وأدركوا أنه الابتلاء وأحسوا أن ربهم يربيهم، لأن فيهم ضعفا أو نقصا وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر، وأن يجعلهم ستار القدرة، فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف.. وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء، وحقق على أيديهم ما يشاء. أما العاقبة فهي مقررة: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» والله يفعل ما يريد.
هكذا يقرر القرآن الكريم تلك الحقيقة للمشركين، الذين يتقولون على القرآن وعلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- ويصفونه بالسحر والشعر والافتراء. وهو الحق الغالب الذي يدمغ الباطل، فإذا هو زاهق..
ثم يعقب على ذلك التقرير بإنذارهم عاقبة ما يتقولون: «وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» ..
ثم يعرض لهم نموذجا من نماذج الطاعة والعبادة في مقابل عصيانهم وإعراضهم. نموذجا ممن هم أقرب منهم إلى الله. ومع هذا فهم دائبون على طاعته وعبادته، لا يفترون ولا يقصرون:
«وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست