نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2373
ومن في السماوات والأرض لا يعلمهم إلا الله، ولا يحصيهم إلا الله. والعلم البشري لا يستيقن إلا من وجود البشر. والمؤمنون يستيقنون من وجود الملائكة والجن كذلك لذكرهما في القرآن. ولكننا لا نعرف عنهم إلا ما أخبرنا به خالقهم. وقد يكون هناك غيرهم من العقلاء في غير هذا الكوكب الأرضي، بطبائع وأشكال تناسب طبيعة تلك الكواكب. وعلم ذلك عند الله.
فإذا نحن قرأنا: «وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» عرفنا منهم من نعرف، وتركنا علم من لا نعلم لخالق السماوات والأرض ومن فيهن.
«وَمَنْ عِنْدَهُ» المفهوم القريب أنهم الملائكة. ولكننا لا نحدد ولا نقيد ما دام النص عاما يشمل الملائكة وغيرهم.
والمفهوم من التعبير انهم هم الأقرب إلى الله. فكلمة «عند» القياس إلى الله لا تعني مكانا، ولا تحدد وصفا.
«وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» كما يستكبر هؤلاء المشركون «وَلا يَسْتَحْسِرُونَ» - أي يقصرون- في العبادة. فحياتهم كلها عبادة وتسبيح بالليل والنهار دون انقطاع ولا فتور..
والبشر يملكون أن تكون حياتهم كلها عبادة دون أن ينقطعوا للتسبيح والتعبد كالملائكة. فالإسلام يعد كل حركة وكل نفس عبادة إذا توجه بها صاحبها إلى الله. ولو كانت متاعا ذاتيا بطيبات الحياة! وفي ظل التسبيح الذي لا يفتر ولا ينقطع لله الواحد، مالك السماوات والأرض ومن فيهن. يجيء الإنكار على المشركين واستنكار دعواهم في الآلهة. ويعرض السياق دليل الوحدانية من المشهود في نظام الكون وناموسه الواحد الدال على المدبر الواحد ومن المنقول عن الكتب السابقة عند أهل الكتاب:
«أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ؟ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا. فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً؟ قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ. هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» ..
والسؤال عن اتخاذهم آلهة هو سؤال استنكار للواقع منهم. ووصف هؤلاء الآلهة بأنهم ينشرون من الأرض أي يقيمون الأموات ويبعثونهم أحياء. فيه تهكم بتلك الآلهة التي اتخذوها. فمن أول صفات الإله الحق أن ينشر الأموات من الأرض. فهل الآلهة التي اتخذوها تفعل هذا؟ إنها لا تفعل، ولا يدعون لها هم أنها تخلق حياة أو تعيد حياة. فهي إذن فاقدة للصفة الأولى من صفات الإله.
ذلك منطق الواقع المشهود في الأرض. وهنالك الدليل الكوني المستمد من واقع الوجود: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» ..
فالكون قائم على الناموس الواحد الذي يربط بين أجزائه جميعا وينسق بين أجزائه جميعا وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظم.. هذا الناموس الواحد من صنع إرادة واحدة لإله واحد. فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات. ولتعددت النواميس تبعا لها- فالإرادة مظهر الذات المريدة. والناموس مظهر الإرادة النافذة- ولا نعدمت الوحدة التي تنسق الجهاز الكوني كله، وتوحد منهجه واتجاهه وسلوكه ولوقع الاضطراب والفساد تبعا لفقدان التناسق.. هذا التناسق الملحوظ الذي لا ينكره أشد الملحدين لأنه واقع محسوس.
وإن الفطرة السليمة التي تتلقى إيقاع الناموس الواحد للوجود كله، لتشهد شهادة فطرية بوحدة هذا
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2373