نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2371
من بأس الله. وكأنما هم أسرع عدوا فلا يلحق بهم حيث يركضون! ولكنها حركة الفأر في المصيدة بلا تفكير ولا شعور.
عندئذ يتلقون التهكم المرير:
«لا تَرْكُضُوا، وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» ! لا تركضوا من قريتكم. وعودوا إلى متاعكم الهنيء وعيشكم الرغيد وسكنكم المريح.. عودوا لعلكم تسألون عن ذلك كله فيم أنفقتموه؟! وما عاد هنالك مجال لسؤال ولا لجواب. إنما هو التهكم والاستهزاء! عند ذلك يفيقون فيشعرون بأن لا مفر ولا مهرب من بأس الله المحيط. وأنه لا ينفعهم ركض، ولا ينقذهم فرار. فيحاولون الاعتراف والتوبة والاستغفار:
«قالُوا: يا وَيْلَنا! إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» ..
ولكن لقد فات الأوان. فليقولوا ما يشاءون. فإنهم لمتروكون يقولون حتى يقضى الأمر وتخمد الأنفاس:
«فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» ..
ويا له من حصيد آدمي، لا حركة فيه ولا حياة وكان منذ لحظة يموج بالحركة، وتضطرب فيه الحياة! هنا يربط السياق بين العقيدة التي سبق الحديث عنها، وسننها التي تجري عليها، والتي تأخذ المكذبين بها.
يربط بينها وبين الحق الكبير والجد الأصيل، اللذين يقوم بهما الكون كله، ويتلبس بهما خلق السماوات والأرض في صميمه.
فإذا كان المشركون يستقبلون القرآن كلما جاءهم منه جديد باللعب واللهو، غافلين عما في الأمر من حق وجد. وإذا كانوا يغفلون عن يوم الحساب القريب، وعما ينتظر المكذبين المستهزئين.. فإن سنة الله مطردة نافذة مرتبطة بالحق الكبير والجد الأصيل:
«وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا. إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» ..
لقد خلق الله سبحانه هذا الكون لحكمة، لا لعبا ولا لهوا. ودبره بحكمة، لا جزافا ولا هوى، وبالجد الذي خلق به السماء والأرض وما بينهما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وفرض الفرائض، وشرع التكاليف..
فالجد أصيل في طبيعة هذا الكون، أصيل في تدبيره، أصيل في العقيدة التي أرادها الله للناس، أصيل في الحساب الذي يأخذهم به بعد الممات.
ولو أراد الله- سبحانه- أن يتخذ لهوا لاتخذه من لدنه. لهوا ذاتيا لا يتعلق بشيء من مخلوقاته الحادثة الفانية.
وهو مجرد فرض جدلي: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا» .. ولو- كما يقول النحاة- حرف امتناع لامتناع. تفيد امتناع وقوع فعل الجواب لامتناع وقوع فعل الشرط. فالله سبحانه لم يرد أن يتخذ لهوا فلم يكن هناك لهو. لا من لدنه ولا من شيء خارج عنه.
ولن يكون لأن الله- سبحانه- لم يرده ابتداء ولم يوجه إليه إرادته أصلا: «إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» .. وإن حرف نفي بمعنى ما، والصيغة لنفي إرادة الفعل ابتداء.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2371