responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2346
وهو يذكرهم بهذه النعم ليأكلوا من الطيبات التي يسرها لهم ويحذرهم من الطغيان فيها. بالبطنة والانصراف إلى لذائذ البطون والغفلة عن الواجب الذي هم خارجون له، والتكليف الذي يعدهم ربهم لتلقيه. ويسميه طغيانا وهم قريبو العهد بالطغيان، ذاقوا منه ما ذاقوا، ورأوا من نهايته ما رأوا. «وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي. وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى» .. ولقد هوى فرعون منذ قليل. هوى عن عرشه وهوى في الماء.. والهوى إلى أسفل يقابل الطغيان والتعالي. والتعبير ينسق هذه المقابلات في اللفظ والظل على طريقة التناسق القرآنية الملحوظة.
هذا هو التحذير والإنذار للقوم المقدمين على المهمة التي من أجلها خرجوا كي لا تبطرهم النعمة، ولا يترفوا فيها فيسترخوا.. وإلى جانب التحذير والإنذار يفتح باب التوبة لمن يخطىء ويرجع:
«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» ..
والتوبة ليست كلمة تقال، إنما هي عزيمة في القلب، يتحقق مدلولها بالإيمان والعمل الصالح. ويتجلى أثرها في السلوك العملي في عالم الواقع. فإذا وقعت التوبة وصح الإيمان، وصدقه العمل فهنا يأخذ الإنسان في الطريق، على هدى من الإيمان، وعلى ضمانة من العمل الصالح. فالاهتداء هنا ثمرة ونتيجة للمحاولة والعمل..
وإلى هنا ينتهي مشهد النصر والتعقيب عليه. فيسدل الستار حتى يرفع على مشهد المناجاة الثانية إلى جانب الطور الأيمن ...
لقد واعد الله موسى- عليه السلام- على الجبل ميعادا ضربه له ليلقاه بعد أربعين يوما لتلقي التكاليف:
تكاليف النصر بعد الهزيمة. وللنصر تكاليفه، وللعقيدة تكاليفها، ولا بد من تهيؤ نفسي واستعداد للتلقي.
وصعد موسى إلى الجبل، وترك قومه في أسفله، وترك عليهم هارون نائبا عنه..
لقد غلب الشوق على موسى إلى مناجاة ربه، والوقوف بين يديه، وقد ذاق حلاوتها من قبل، فهو إليها مشتاق عجول. ووقف في حضرة مولاه. وهو لا يعلم ما وراءه، ولا ما أحدث القوم بعده حين تركهم في أسفل الجبل.
وهنا ينبئه ربه بما كان خلفه.. فلنشهد المشهد ولنسمع الحوار:
«وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى؟ قالَ: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي، وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. قالَ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ» .
وهكذا فوجىء موسى.. إنه عجلان إلى ربه، بعد ما تهيأ واستعد أربعين يوما، ليلقاه ويتلقى منه التوجيه الذي يقيم عليه حياة بني إسرائيل الجديدة. وقد استخلصهم من الذل والاستعباد، ليصوغ منهم أمة ذات رسالة، وذات تكاليف.
ولكن الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها، والوفاء بالعهد والثبات عليه وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح.. فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختيار. ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2346
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست