نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2345
لقد تولت يد القدرة إدارة المعركة بين الإيمان والطغيان فلم يتكلف أصحاب الإيمان فيها شيئا سوى اتباع الوحي والسرى ليلا. ذلك أن القوتين لم تكونا متكافئتين ولا متقاربتين في عالم الواقع.. موسى وقومه ضعاف مجردون من القوة، وفرعون وجنده يملكون القوة كلها. فلا سبيل إلى خوض معركة مادية أصلا. هنا تولت يد القدرة إدارة المعركة. ولكن بعد أن اكتملت حقيقة الإيمان في نفوس الذين لا يملكون قوة سواها.
بعد أن استعلن الإيمان في وجه الطغيان لا يخشاه ولا يرجوه لا يرهب وعيده ولا يرغب في شيء مما في يده..
يقول الطغيان: «فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» فيقول الإيمان:
«فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ. إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا» .. عند ما بلغت المعركة بين الإيمان والطغيان في عالم القلب إلى هذا الحد تولت يد القدرة راية الحق لتعرفعها عالية، وتنكس راية الباطل بلا جهد من أهل الإيمان.
وعبرة أخرى..
إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة. فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلا واستكانة وخوفا. فأما حين استعلن الإيمان، في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج، ودون اتقاء للتعذيب. فأما عند ذلك فقد تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة. وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب..
هذه هي العبرة التي يبرزها السياق بذلك الإجمال، وبتتابع المشهدين بلا عائق من التفصيلات. ليستيقنها أصحاب الدعوات، ويعرفوا متى يرتقبون النصر من عند الله وهم مجردون من عدة الأرض. والطغاة يملكون المال والجند والسلاح.
وفي ظلال النصر والنجاة يتوجه الخطاب إلى الناجين بالتذكير والتحذير، كي لا ينسوا ولا يبطروا ولا يتجردوا من السلاح الوحيد الذي كان لهم في المعركة فضمنوا به النصر والنجاح:
«يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ، وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى. كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي، وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» ..
لقد جازوا منطقة الخطر، وانطلقوا ناجين ناحية الطور. وتركوا وراءهم فرعون وجنده غرقى: وإنجاؤهم من عدوهم واقع قريب يذكرونه اللحظة فلم يمض عليه كثير. ولكنه إعلان التسجيل. والتذكير بالنعمة المشهودة ليعرفوها ويشكروها.
ومواعدتهم جانب الطور الأيمن يشار إليها هنا على أنها أمر وقع وكانت مواعدة لموسى- عليه السلام- بعد خروجهم من مصر، أن يأتي إلى الطور بعد أربعين ليلة يتهيأ فيها للقاء ربه، ليسمع ما يوحى إليه في الألواح من أمور العقيدة والشريعة، المنظمة لهذا الشعب الذي كتب له دورا يؤديه في الأرض المقدسة بعد الخروج من مصر.
وتنزيل المن. وهو مادة حلوة تتجمع على أوراق الشجر. والسلوى وهو طائر السماني يساق إليهم في الصحراء، قريب المتناول سهل التناول، كان نعمة من الله ومظهرا لعنايته بهم في الصحراء الجرداء. وهو يتولاهم حتى في طعامهم اليومي فييسره لهم من أقرب الموارد.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2345