responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2347
النفسي. وكان أول ابتلاء هو ابتلاؤهم بالعجل الذي صنعه لهم السامري: «قالَ: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ» ولم يكن لدى موسى علم بهذا الابتلاء، حتى لقي ربه، وتلقى الألواح وفي نسختها هدى، وبها الدستور التشريعي لبناء بني إسرائيل بناء يصلح للمهمة التي هم منتدبون لها.
وينهي السياق موقف المناجاة هنا على عجل ويطويه، ليصور انفعال موسى- عليه السلام- مما علم من أمر الفتنة، ومسارعته بالعودة، وفي نفسه حزن وغضب، على القوم الذين أنقذهم الله على يديه من الاستعباد والذل في ظل الوثنية ومن عليهم بالرزق الميسر والرعاية الرحيمة في الصحراء وذكرهم منذ قليل بآلائه، وحذرهم الضلال وعواقبه. ثم ها هم أولاء يتبعون أول ناعق إلى الوثنية، وإلى عبادة العجل! ولم يذكر هنا ما أخبر الله به موسى من تفصيلات الفتنة، استعجالا في عرض موقف العودة إلى قومه. ولكن السياق يشي بهذه التفصيلات. فلقد عاد موسى غضبان أسفا يوبخ قومه ويؤنب أخاه. فلا بد أنه كان يعلم شناعة الفعلة التي أقدموا عليها:
«فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً. قالَ: يا قَوْمِ: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً؟ أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ؟ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قالُوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا، وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها، فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ، فَقالُوا: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا، وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً؟ وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ، وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى!» .
هذه هي الفتنة يكشف السياق عنها في مواجهة موسى بقومه وقد أخر كشفها عن موقف المناجاة، واحتفظ بتفصيلاتها لتظهر في مشهد التحقيق الذي يقوم به موسى..
لقد رجع موسى ليجد قومه عاكفين على عجل من الذهب له خوار يقولون: هذا إلهكم وإله موسى.
وقد نسي موسى فذهب يطلب ربه على الجبل وربه هنا حاضر! فراح موسى يسألهم في حزن وغضب: «يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً؟» وقد وعدهم الله بالنصر ودخول الأرض المقدسة في ظل التوحيد ولم يمض على هذا الوعد وإنجاز مقدماته طويل وقت. ويؤنبهم في استنكار: «أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ؟ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ؟» فعملكم هذا عمل من يريد أن يحل عليه غضب من الله كأنما يتعمد ذلك تعمدا، ويقصد إليه قصدا! .. أفطال عليكم العهد؟ أم تعمدتم حلول الغضب «فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي» وقد تواعدنا على أن تبقوا على عهدي حتى أعود إليكم، لا تغيرون في عقيدتكم ولا منهجكم بغير أمري؟
عندئذ يعتذرون بذلك العذر العجيب، الذي يكشف عن أثر الاستعباد الطويل، والتخلخل النفسي والسخف العقلي: «قالُوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا» فلقد كان الأمر أكبر من طاقتنا! «وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها» .. وقد حملوا معهم أكداسا من حلي المصريات كانت عارية عند نسائهم فحملنها معهن. فهم يشيرون إلى هذه الأحمال. ويقولون: لقد قذفناها تخلصا منها لأنها حرام. فأخذها السامري فصاغ منها عجلا. والسامري رجل من «سامراء» كان يرافقهم أو أنه واحد منهم يحمل هذا اللقب. وجعل له منافذ إذا دارت فيها الريح أخرجت صوتا كصوت الخوار، ولا حياة فيه ولا روح فهو جسد- ولفظ الجسد يطلق على الجسم الذي لا حياة فيه- فما كادوا يرون عجلا من ذهب يخور حتى نسوا ربهم الذي أنقذهم

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست