نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2320
للتهديد، وإلا فالمغالطة مستحيلة، وعلم الله لا تند عنه صغيرة ولا كبيرة. ونمد له من العذاب مدا، فنزيده منه ونطيله عليه ولا نقطعه عنه! ويستمر السياق في التهديد على طريقة التصوير أيضا: «وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ» أي نأخذ ما يخلفه مما يتحدث عنه من مال وولد كما يفعل الوارث بعد موت المورث! «وَيَأْتِينا فَرْداً» لا مال معه ولا ولد ولا نصير له ولا سند، مجردا ضعيفا وحيدا فريدا.
فهل رأيت إلى هذا الذي كفر بآيات الله وهو يحيل على يوم لا يملك فيه شيئا؟ يوم يجرد من كل ما يملك في هذه الدنيا؟ إنه نموذج من نماذج الكفار. نموذج الكفر والادعاء والاستهتار..
ويستطرد السياق في استعراض ظواهر الكفر والشرك:
«وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا. أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا. فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا. يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً، لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» .
فهؤلاء الذين يكفرون بآيات الله يتخذون من دونه آلهة يطلبون عندها العزة، والغلب والنصرة، وكان فيهم من يعبد الملائكة ومن يعبد الجن ويستنصرونهم ويتقوون بهم.. كلا! فسيكفر الملائكة والجن بعبادتهم، وينكرونها عليهم، ويبرأون إلى الله منهم، «وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» بالتبرؤ منهم والشهادة عليهم.
وإن الشياطين ليهيجونهم إلى المعاصي. فهم مسلطون عليهم، مأذون لهم في إغوائهم منذ أن طلب إبليس إطلاق يده فيهم..
«فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ» ولا يضيق صدرك بهم فإنهم ممهلون إلى أجل قريب، وكل شيء من أعمالهم محسوب عليهم ومعدود.. والتعبير يصور دقة الحساب تصويرا محسوسا «إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا» .. وإنه لتصوير مرهوب، فيا ويل من يعد الله عليه ذنوبه وأعماله وأنفاسه، ويتتبعها ليحاسبه الحساب العسير.. إن الذي يحس أن رئيسه في الأرض يتتبع أعماله وأخطاءه يفزع ويخاف ويعيش في قلق وحسبان.. فكيف بالله المنتقم الجبار؟! وفي مشهد من مشاهد القيامة يصور عاقبة العد والحساب. فأما المؤمنون فقادمون على الرحمن وفدا في كرامة وحسن استقبال: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» . وأما المجرمون فمسوقون إلى جهنم وردا كما تساق القطعان. «وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً» . ولا شفاعة يومئذ إلا لمن قدم عملا صالحا فهو عهد له عند الله يستوفيه. وقد وعد الله من آمن وعمل صالحا أن يجزيه الجزاء الأوفى، ولن يخلف الله وعدا.
ثم يستطرد السياق مرة أخرى إلى مقولة منكرة من مقولات المشركين. ذلك حين يقول المشركون من العرب:
الملائكة بنات الله. والمشركون من اليهود: عزيز ابن الله. والمشركون من النصارى: المسيح ابن الله..
فينتفض الكون كله لهذه القولة المنكرة التي تنكرها فطرته، وينفر منها ضميره:
«وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً، وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً» ..
إن جرس الألفاظ وإيقاع العبارات ليشارك ظلال المشهد في رسم الجو: جو الغضب والغيرة والانتفاض! وإن ضمير الكون وجوارحه لتنتفض، وترتعش وترجف من سماع تلك القولة النابية، والمساس بقداسة
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2320