نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2319
ويعقب السياق على قولة الكفار التياهين، المتباهين بما هم فيه من مقام وزينة بلمسة وجدانية ترجع القلب إلى مصارع الغابرين، على ما كانوا فيه من مقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين:
«وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً [1] » ..
فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم وزينتهم ومظهرهم. ولم يعصمهم شيء من الله حين كتب عليهم الهلاك.
ألا إن هذا الإنسان لينسى. ولو تذكر وتفكر ما أخذه الغرور بمظهر ومصارع الغابرين من حوله تلفته بعنف وتنذره وتحذره، وهو سادر فيما هو فيه، غافل عما ينتظره مما لقيه من كانوا قبله وكانوا أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا.
يعقب السياق بتلك اللفتة ثم يأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو عليهم في صورة مباهلة- بأن من كان من الفريقين في الضلالة فليزده الله مما هو فيه حتى يأتي وعده في الدنيا أو في الآخرة:
«قُلْ: مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا، حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا» ..
فهم يزعمون أنهم أهدى من أتباع محمد- صلى الله عليه وسلم- لأنهم أغنى وأبهى. فليكن! وليدع محمد ربه أن يزيد الضالين من الفريقين ضلالا، وأن يزيد المهتدين منهما اهتداء.. حتى إذا وقع ما يعدهم وهو لا يعدو أن يكون عذاب الضالين في الدنيا بأيدي المؤمنين، أو عذابهم الأكبر يوم الدين- فعندئذ سيعرفون: أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا. ويومئذ يفرح المؤمنون ويعتزون «وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا» خير من كل ما يتباهى به أهل الأرض ويتيهون.
ثم يستعرض السياق نموذجا آخر من تبجح الكافرين، وقولة أخرى من أقوالهم يستنكرها ويعجب منها:
«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً؟ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً؟ كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا. وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً» ..
ورد في سبب نزول هذه الآيات- بإسناده- عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا (حدادا) وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت:
لا والله، لا أكفر بمحمد- صلى الله عليه وسلم- حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد، فأعطيتك! فأنزل الله: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً ... [2] » .
وقولة العاص بن وائل نموذج من تهكم الكفار واستخفافهم بالبعث والقرآن يعجب من أمره، ويستنكر ادعاءه: «أَطَّلَعَ الْغَيْبَ؟» فهو يعرف ما هنالك. «أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» فهو واثق من تحققه؟
ثم يعقب: «كَلَّا» . وهي لفظة نفي وزجر. كلا لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا، إنما هو يكفر ويسخر فالتهديد إذن والوعيد هو اللائق لتأديب الكافرين السافرين: «كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا» .. سنكتب ما يقول فنسجله عليه ليوم الحساب فلا ينسى ولا يقبل المغالطة.. وهو تعبير تصويري [1] مظهرا ومنظرا. [2] البخاري ومسلم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2319