نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2321
الذات العلية، كما ينتفض كل عضو وكل جارحة عند ما يغضب الإنسان للمساس بكرامته أو كرامة من يحبه ويوقره..
هذه الانتفاضة الكونية للكلمة النابية تشترك فيها السماوات والأرض والجبال. والألفاظ بإيقاعها ترسم حركة الزلزلة والارتجاف.
وما تكاد الكلمة النابية تنطلق: «وَقالُوا: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً» حتى تنطلق كلمة التفظيع والتبشيع:
«لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» ثم يهتز كل ساكن من حولهم ويرتج كل مستقر، ويغضب الكون كله لبارئه. وهو يحس بتلك الكلمة تصدم كيانه وفطرته وتجافي ما وقر في ضميره وما استقر في كيانه وتهز القاعدة التي قام عليها واطمأن إليها: «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً» ..
وفي وسط الغضبة الكونية يصدر البيان الرهيب:
«إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً» .
إن كل من في السماوات والأرض إلا عبد يأتي معبوده خاضعا طائعا، فلا ولد ولا شريك، إنما خلق وعبيد.
وإن الكيان البشري ليرتجف وهو يتصور مدلول هذا البيان.. «لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا» فلا مجال لهرب أحد ولا لنسيان أحد «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً» فعين الله على كل فرد. وكل فرد يقدم وحيدا لا يأنس بأحد ولا يعتز بأحد. حتى روح الجماعة ومشاعر الجماعة يجرد منها، فإذا هو وحيد فريد أمام الديان.
وفي وسط هذه الوحدة والوحشة والرهبة، إذا المؤمنون في ظلال ندية من الود السامي: ود الرحمن:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ..
وللتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية تمس القلوب، وروح رضى يلمس النفوس. وهو ود يشيع في الملأ الأعلى، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلىء به الكون كله ويفيض..
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه. قال: فيحبه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه. قال: فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القبول في الأرض. وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء:
إن الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال: فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض [1] » ..
وبعد فإن هذه البشرى للمؤمنين المتقين، وذلك الإنذار للجاحدين الخصيمين هما غاية هذا القرآن. ولقد يسره الله للعرب فأنزله بلسان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ليقرأوه:
«فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا» ..
وتختم السورة بمشهد يتأمله القلب طويلا ويرتعش له الوجدان طويلا ولا ينتهي الخيال من استعراضه [1] رواه الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه مسلم من حديث سهيل. ورواه أحمد والبخاري من حديث ابن جريج عن موسى عن ابن عتبة عن نافع عن أبي هريرة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2321