responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2308
«ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ، وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» حتى تأتي بهذه الفعلة التي لا يأتيها إلا بنات آباء السوء والأمهات البغايا! وتنفذ مريم وصية الطفل العجيب التي لقنها إياها:
«فَأَشارَتْ إِلَيْهِ» .. فماذا نقول في العجب والغيظ الذي ساورهم وهم يرون عذراء تواجههم بطفل ثم تتبجح فتسخر ممن يستنكرون فعلتها فتصمت وتشير لهم إلى الطفل ليسألوه عن سرها! «قالُوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؟» .
ولكن ها هي ذي الخارقة العجيبة تقع مرة أخرى:
«قالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، آتانِيَ الْكِتابَ، وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ، وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» .
وهكذا يعلن عيسى- عليه السلام- عبوديته لله. فليس هو ابنه كما تدعي فرقة. وليس هو إلها كما تدعي فرقة. وليس هو ثالث ثلاثة هم إله واحد وهم ثلاثة كما تدعي فرقة.. ويعلن أن الله جعله نبيا، لا ولدا ولا شريكا. وبارك فيه، وأوصاه بالصلاة والزكاة مدة حياته. والبر بوالدته والتواضع مع عشيرته. فله إذن حياة محدودة ذات أمد. وهو يموت ويبعث. وقد قدر الله له السلام والأمان والطمأنينة يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا..
والنص صريح هنا في موت عيسى وبعثه. وهو لا يحتمل تأويلا في هذه الحقيقة ولا جدالا.
ولا يزيد السياق القرآني شيئا على هذا المشهد. لا يقول: كيف استقبل القوم هذه الخارقة. ولا ماذا كان بعدها من أمر مريم وابنها العجيب. ولا متى كانت نبوته التي أشار إليها وهو يقول:
«آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» .. ذلك أن حادث ميلاد عيسى هو المقصود في هذا الموضع. فحين يصل به السياق إلى ذلك المشهد الخارق يسدل الستار ليعقب بالغرض المقصود في أنسب موضع من السياق، بلهجة التقرير، وإيقاع التقرير:
«ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ. سُبْحانَهُ. إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..
ذلك عيسى ابن مريم، لا ما يقوله المؤلهون له أو المتهمون لأمه في مولده.. ذلك هو في حقيقته وذلك واقع نشأته. ذلك هو يقول قول الحق الذي فيه يمترون ويشكون. يقولها لسانه ويقولها الحال في قصته:
«ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ» تعالى وتنزه فليس من شأنه أن يتخذ ولدا. والولد إنما يتخذه الفانون للامتداد، ويتخذه الضعاف للنصرة. والله باق لا يخشى فناء، قادر لا يحتاج معينا. والكائنات كلها توجد بكلمة كن.
وإذا قضى أمرا فإنما يقول له: كن فيكون.. فما يريد تحقيقه يحققه بتوجه الإرادة لا بالولد والمعين.. وينتهي ما يقوله عيسى- عليه السلام- ويقوله حاله بإعلان ربوبية الله له وللناس، ودعوته إلى عبادة الله الواحد بلا شريك: «وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» .. فلا يبقى بعد شهادة عيسى وشهادة قصته مجال للأوهام والأساطير.. وهذا هو المقصود بذلك التعقيب في لغة التقرير وإيقاع التقرير.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2308
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست