responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2307
المعهودة؟ إن هذا جائز. فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية، والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فسارت البويضة سيرتها الطبيعية.. كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية، فتختصر المراحل اختصارا ويعقبها تكون الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة.. ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين. فلا نجري طويلا وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها ... فلنشهد مريم تنتبذ مكانا قصيّا عن أهلها، في موقف أشد هولا من موقفها الذي أسلفنا.
فلئن كانت في الموقف الأول تواجه الحصانة والتربية والأخلاق، بينها وبين نفسها، فهي هنا وشيكة أن تواجه المجتمع بالفضيحة. ثم هي تواجه الآلام الجسدية بجانب الآلام النفسية. تواجه المخاض الذي «أجاءها» إجاءة إلى جذع النخلة، واضطرها اضطرارا إلى الاستناد عليها. وهي وحيدة فريدة، تعاني حيرة العذراء في أول مخاض، ولا علم لها بشيء، ولا معين لها في شيء.. فإذا هي قالت: «يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا» فإننا لنكاد نرى ملامحها، ونحس اضطراب خواطرها، ونلمس مواقع الألم فيها. وهي تتمنى لو كانت «نَسْياً» : تلك الخرقة التي تتخذ لدم الحيض، ثم تلقى بعد ذلك وتنسى! وفي حدة الألم وغمرة الهول تقع المفاجأة الكبرى:
«فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً، فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» ..
يا لله! طفل ولد اللحظة يناديها من تحتها. يطمئن قلبها ويصلها بربها، ويرشدها إلى طعامها وشرابها.
ويدلها على حجتها وبرهانها! لا تحزني.. «قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا» فلم ينسك ولم يتركك، بل أجرى لك تحت قدميك جدولا ساريا- الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع أو تدفق من مسيل ماء في الجبل- وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبا. فهذا طعام وذاك شراب. والطعام الحلو مناسب للنفساء. والرطب والتمر من أجود طعام النفساء. «فَكُلِي وَاشْرَبِي» هنيئا. «وَقَرِّي عَيْناً» واطمئني قلبا. فأما إذا واجهت أحدا فأعلنيه بطريقة غير الكلام، أنك نذرت للرحمن صوما عن حديث الناس وانقطعت إليه للعبادة. ولا تجيبي أحدا عن سؤال..
ونحسبها قد دهشت طويلا، وبهتت طويلا، قبل أن تمديدها إلى جذع النخلة تهزه ليساقط عليها رطبا جنيا.. ثم أفاقت فاطمأنت إلى أن الله لا يتركها. وإلى أن حجتها معها.. هذا الطفل الذي ينطق في المهد..
فيكشف عن الخارقة التي جاءت به إليها..
«فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ..!» .. فلنشهد هذا المشهد المثير:
إننا لنتصور الدهشة التي تعلو وجوه القوم- ويبدو أنهم أهل بيتها الأقربون في نطاق ضيق محدود- وهم يرون ابنتهم الطاهرة العذراء الموهوبة للهيكل العابدة المنقطعة للعبادة.. يرونها تحمل طفلا! «قالُوا: يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا. يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ، وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا!» إن ألسنتهم لتنطلق بالتقريع والتأنيب: «يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» فظيعا مستنكرا. ثم يتحول السخط إلى تهكم مرير: «يا أُخْتَ هارُونَ» النبي الذي تولى الهيكل هو وذريته من بعده والذي تنتسبين إليه بعبادتك وانقطاعك لخدمة الهيكل. فيا للمفارقة بين تلك النسبة التي تنتسبينها وذلك الفعل الذي تقارفينه!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2307
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست