responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2306
الرجل السوي- الذي لم تثق بعد بأنه رسول ربها- فقد تكون حيلة فاتك يستغل طيبتها- يصارحها بما يخدش سمع الفتاة الخجول، وهو أنه يريد أن يهب لها غلاما، وهما في خلوة- وهذه هي الهزة الثانية.
ثم تدركها شجاعة الأنثى المهددة في عرضها! فتسأل في صراحة: كيف؟
«قالَتْ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا؟» .. هكذا في صراحة. وبالألفاظ المكشوفة. فهي والرجل في خلوة. والغرض من مباغتته لها قد صار مكشوفا. فما تعرف هي بعد كيف يهب لها غلاما؟ وما يخفف من روع الموقف أن يقول لها: «إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ»
ولا أنه مرسل ليهب لها غلاما طاهرا غير مدنس المولد، ولا مدنس السيرة، ليطمئن بالها. لا. فالحياء هنا لا يجدي، والصراحة أولى..
كيف؟ وهي عذراء لم يمسسها بشر، وما هي بغي فتقبل الفعلة التي تجيء منها بغلام! ويبدو من سؤالها أنها لم تكن تتصور حتى اللحظة وسيلة أخرى لأن يهبها غلاما إلا الوسيلة المعهودة بين الذكر والأنثى. وهذا هو الطبيعي بحكم التصور البشري.
«قالَ: كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ، وَرَحْمَةً مِنَّا» ..
فهذا الأمر الخارق الذي لا تتصور مريم وقوعه، هين على الله. فأمام القدرة التي تقول للشيء كن فيكون، كل شيء هين، سواء جرت به السنة المعهودة أو جرت بغيره. والروح يخبرها بأن ربها يخبّرها بأن هذا هين عليه. وأنه أراد أن يجعل هذا الحادث العجيب آية للناس، وعلامة على وجوده وقدرته وحرية إرادته.
ورحمة لبني إسرائيل أولا وللبشرية جميعا، بإبراز هذا الحادث الذي يقودهم إلى معرفة الله وعبادته وابتغاء رضاه.
بذلك انتهى الحوار بين الروح الأمين ومريم العذراء.. ولا يذكر السياق ماذا كان بعد الحوار، فهنا فجوة من فجوات العرض الفني للقصة. ولكنه يذكر أن ما أخبرها به من أن يكون لها غلام وهي عذراء لم يمسسها بشر، وأن يكون هذا الغلام آية للناس ورحمة من الله. أن هذا قد انتهى أمره، وتحقق وقوعه:
«وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا» كيف؟ لا يذكر هنا عن ذلك شيئا [1] .
ثم تمضي القصة في مشهد جديد من مشاهدها فتعرض هذه العذراء الحائرة في موقف آخر أشد هولا:
«فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا. فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا» ..
وهذه هي الهزة الثالثة..
إن السياق لا يذكر كيف حملته ولا كم حملته. هل كان حملا عاديا كما تحمل النساء وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى العظام باللحم ويستكمل الجنين أيامه

[1] جاء في سورة التحريم: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا» . فهل كلمة «رُوحَنا»
التي في سورة مريم هي نفسها التي في سورة التحريم؟ وهل مدلولها واحد؟ .. نحن نميل إلى أنها ذات مدلولين: فهي هنا في السورة تغني جبريل الروح الأمين وهو رسول الله إلى مريم. أما في التحريم فتعني الروح الذي نفخ الله منه في آدم فإذا هو إنسان ونفخ منه في فرج مريم فإذا البويضة حية مستعدة للنمو: فهي النفخة الإلهية التي تمنح الحياة وتمنح معها الخصائص المرافقة لنوع هذه الحياة. وهي في الإنسان الاستعدادات التي تصله بالملأ الأعلى وتهبه. الحس الإنساني والتفكير والمشاعر والإلهامات. ونفسر حالة مريم بأن جبريل وهو الروح الأمين كان حاملا وموصلا لنفخة الروح العلوية من الله.. ثم نعود فنقول: إننا لا ندرك شيئا لا عن ماهية الروح بمعنى جبريل، ولا عن ماهية الروح بالمعنى الآخر. فكله غيب. إنما نحن نستلهم السياق في السورتين فنجد أن مدلول الروح هنا غيره هناك.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست