نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2309
وبعد هذا التقرير يعرض اختلاف الفرق والأحزاب في أمر عيسى فيبدو هذا الاختلاف مستنكرا نابيا في ظل هذه الحقيقة الناصعة:
«فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ» ..
ولقد جمع الإمبراطور الروماني قسطنطين مجمعا من الأساقفة- وهو أحد المجامع الثلاثة الشهيرة- بلغ عدد أعضائه ألفين ومائة وسبعين أسقفا فاختلفوا في عيسى اختلافا شديدا، وقالت كل فرقة فيه قولا..
قال بعضهم: هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء. وقال بعضهم:
هو ابن الله، وقال بعضهم: هو أحد الأقانيم الثلاثة: الأب والابن والروح القدس. وقال بعضهم: هو ثالث ثلاثة: الله إله وهو إله وأمه إله. وقال بعضهم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته. وقالت فرق أخرى أقوالا أخرى. ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاث مائة وثمانية اتفقوا على قول. فمال إليه الإمبراطور ونصر أصحابه وطرد الآخرين وشرد المعارضين وبخاصة الموحدين.
ولما كانت العقائد المنحرفة قد قررتها مجامع شهدتها جموع الأساقفة فإن السياق هنا ينذر الكافرين الذين ينحرفون عن الإيمان بوحدانية الله، ينذرهم بمشهد يوم عظيم تشهده جموع أكبر، وترى ما يحل بالكافرين المنحرفين:
«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ. أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا، لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» .
ويل لهم من ذلك المشهد في يوم عظيم. بهذا التنكير للتفخيم والتهويل. المشهد الذي يشهده الثقلان: الإنس والجن، وتشهده الملائكة، في حضرة الجبار الذي أشرك به الكفار.
ثم يأخذ السياق في التهكم بهم وبإعراضهم عن دلائل الهدى في الدنيا. وهم في ذلك المشهد أسمع الناس وأبصر الناس:
«أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا، لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
فما أعجب حالهم! .. لا يسمعون ولا يبصرون حين يكون السمع والبصر وسيلة للهدى والنجاة. وهم أسمع شيء وأبصر شيء يوم يكون السمع والبصر وسيلة للخزي ولإسماعهم ما يكرهون وتبصيرهم ما يتقون في مشهد يوم عظيم! «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ» .. يوم تشتد الحسرات حتى لكأن اليوم ممحض للحسرة لا شيء فيه سواها، فهي الغالبة على جوه، البارزة فيه. أنذرهم هذا اليوم الذي لا تنفع فيه الحسرات: «إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» وكأنما ذلك اليوم موصول بعدم إيمانهم، موصول بالغفلة التي هم فيها سادرون.
أنذرهم ذلك اليوم الذي لا شك فيه فكل ما على الأرض ومن على الأرض عائد إلى الله، عودة الميراث كله إلى الوارث الوحيد!:
«إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2309