responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2253
«قالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. بَصائِرَ. وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً» هالكا مدمرا، جزاء تكذيبك بآيات الله وأنت تعلم أن لا أحد غيره يملك هذه الخوارق. وإنها لواضحة مكشوفة منيرة للبصائر، حتى لكأنها البصائر تكشف الحقائق وتجلوها.
عندئذ يلجأ الطاغية إلى قوته المادية، ويعزم أن يزيلهم من الأرض ويبيدهم، «فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ» فكذلك يفكر الطغاة في الرد على كلمة الحق.
وعندئذ تحق على الطاغية كلمة الله، وتجري سنته بإهلاك الظالمين وتوريث المستضعفين الصابرين: «فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً. وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ: اسْكُنُوا الْأَرْضَ. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» ..
وهكذا كانت عاقبة التكذيب بالآيات. وهكذا أورث الله الأرض للذين كانوا يستضعفون، موكولين فيها إلى أعمالهم وسلوكهم- وقد عرفنا كيف كان مصيرهم في أول السورة- أما هنا فهو يكلهم هم وأعداءهم إلى جزاء الآخرة، «فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» .
ذلك مثل من الخوارق، وكيف استقبلها المكذبون، وكيف جرت سنة الله مع المكذبين. فأما هذا القرآن فقد جاء بالحق ليكون آية دائمة، ونزل مفرقا ليقرأ على مهل في الزمن الطويل:
«وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» ...
لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة، ويقيم لها نظاما، فتحمله هذه الأمة إلى مشارق الأرض ومغاربها، وتعلم به البشرية هذا النظام وفق المنهج الكامل المتكامل. ومن ثم فقد جاء هذا القرآن مفرقا وفق الحاجات الواقعية لتلك الأمة، ووفق الملابسات التي صاحبت فترة التربية الأولى. والتربية تتم في الزمن الطويل، وبالتجربة العملية في الزمن الطويل. جاء ليكون منهجا عمليا يتحقق جزءا جزءا في مرحلة الإعداد، لا فقها نظريا ولا فكرة تجريدية تعرض للقراءة والاستمتاع الذهني! وتلك حكمة نزوله متفرقا، لا كتابا كاملا منذ اللحظة الأولى.
ولقد تلقاه الجيل الأول من المسلمين على هذا المعنى. تلقوه توجيها يطبق في واقع الحياة كلما جاءهم منه أمر أو نهي، وكلما تلقوا منه أدبا أو فريضة. ولم يأخذوه متعة عقلية أو نفسية كما كانوا يأخذون الشعر والأدب ولا تسلية وتلهية كما كانوا يأخذون القصص والأساطير فتكيفوا به في حياتهم اليومية. تكيفوا به في مشاعرهم وضمائرهم، وفي سلوكهم ونشاطهم. وفي بيوتهم ومعاشهم. فكان منهج حياتهم الذي طرحوا كل ما عداه مما ورثوه، ومما عرفوه، ومما ما رسوه قبل أن يأتيهم هذا القرآن.
قال ابن مسعود- رضي الله عنه- كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
ولقد أنزل الله هذا القرآن قائما على الحق: «وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ» فنزل ليقر الحق في الأرض ويثبته: «وَبِالْحَقِّ نَزَلَ» .. فالحق مادته والحق غايته. ومن الحق قوامه، وبالحق اهتمامه.. الحق الأصيل الثابت في ناموس الوجود، والذي خلق الله السماوات والأرض قائمين به، متلبسا بهما، والقرآن مرتبط بناموس الوجود كله، يشير إليه ويدل عليه وهو طرف منه. فالحق سداه ولحمته، والحق مادته وغايته. والرسول مبشر ومنذر بهذا الحق الذي جاء به.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست