responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2254
وهنا يأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يجبه القوم بهذا الحق، ويدع لهم أن يختاروا طريقهم. إن شاءوا آمنوا بالقرآن وإن شاءوا لم يؤمنوا. وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم. ويضع أمام أنظارهم نموذجا من تلقي الذين أوتوا العلم من قبله من اليهود والنصارى المؤمنين لهذا القرآن، لعل لهم فيه قدوة وأسوة وهم الأميون الذين لم يؤتوا علما ولا كتابا:
«قُلْ: آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا. إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً، وَيَقُولُونَ: سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» ..
وهو مشهد موح يلمس الوجدان. مشهد الذين أوتوا العلم من قبله، وهم يسمعون القرآن، فيخشعون، و «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً» إنهم لا يتمالكون أنفسهم، فهم لا يسجدون ولكن «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً» ثمّ تنطق ألسنتهم بما خالج مشاعرهم من إحساس بعظمة الله وصدق وعده: «سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا» . ويغلبهم التأثر فلا تكفي الألفاظ في تصوير ما يجيش في صدورهم منه، فإذا الدموع تنطلق معبرة عن ذلك التأثر الغامر الذي لا تصوره الألفاظ: «وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ» .. «وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» فوق ما استقبلوه به من خشوع.
إنه مشهد مصور لحالة شعورية غامرة، يرسم تأثير هذا القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه العارفة بطبيعته وقيمته بسبب ما أوتيت من العلم قبله. والعلم المقصود هو ما أنزله الله من الكتاب قبل القرآن، فالعلم الحق هو ما جاء من عند الله.
هذا المشهد الموحي للذين أوتوا العلم من قبل يعرضه السياق بعد تخيير القوم في أن يؤمنوا بهذا القرآن أو لا يؤمنوا، ثم يعقب عليه بتركهم يدعون الله بما شاءوا من الأسماء- وقد كانوا بسبب أوهامهم الجاهلية ينكرون تسمية الله بالرحمن، ويستبعدون هذا الاسم من أسماء الله- فكلها أسماؤه فما شاءوا منها فليدعوه بها:
«قُلِ: ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ. أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» .
وإن هي إلا سخافات الجاهلية وأوهام الوثنية التي لا تثبت للمناقشة والتعليل.
كذلك يؤمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يتوسط في صلاته بين الجهر والخفوت لما كانوا يقابلون به صلاته من استهزاء وإيذاء، أو من نفور وابتعاد ولعل الأمر كذلك لأن التوسط بين الجهر والخفاء أليق بالوقوف في حضرة الله:
«وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» ..
وتختم السورة كما بدأت بحمد الله وتقرير وحدانيته بلا ولد ولا شريك، وتنزيهه عن الحاجة إلى الولي والنصير. وهو العلي الكبير. فيلخص هذا الختام محور السورة الذي دارت عليه، والذي بدأت ثم ختمت به:
«وَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ. وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2254
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست