responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2252
والسياق يعرض هذا المشهد كأنه هو الحاضر الآن، وكأنما الدنيا التي كانوا فيها قد انطوت صفحتها وصارت ماضيا بعيدا.. وذلك على طريقة القرآن في تجسيم المشاهد وعرضها واقعة حية، تفعل فعلها في القلوب والمشاعر قبل فوات الأوان.
ثم يعود ليجادلهم بالمنطق الواقعي الذي يرونه فيغفلونه.
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟» فأية غرابة في البعث والله خالق هذا الكون الهائل قادر على أن يخلق مثلهم، فهو قادر إذا على أن يعيدهم أحياء. «وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ» أنظرهم إليه، وأجلهم إلى موعده «فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً» فكان جزاؤهم عادلا بعد منطق الدلالات ومنطق المشاهدات، ووضوح الآيات.
على أن أولئك الذين يقترحون على الرسول- صلى الله عليه وسلم- تلك المقترحات المتعنتة، من بيوت الزخرف، وجنات النخيل والأعناب، والينابيع المتفجرة ... بخلاء أشحاء حتى لو أن رحمة الله قد وكلت إليهم خزائنها لأمسكوا وبخلوا خوفا من نفادها، ورحمة الله لا تنفد ولا تغيض:
«قُلْ: لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً» .
وهي صورة بالغة للشح، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، ولا يخشى نفادها ولا نقصها. ولكن نفوسهم لشحيحة تمنع هذه الرحمة وتبخل بها لو أنهم كانوا هم خزنتها! وعلى أية حال فإن كثرة الخوارق لا تنشئ الإيمان في القلوب الجاحدة. وها هو ذا موسى قد أوتي تسع آيات بينات ثم كذب بها فرعون وملؤه، فحل بهم الهلاك جميعا.
«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ، فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ، فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً. قالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ، وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً. فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً. وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ: اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً» ..
وهذا المثل من قصة موسى وبني إسرائيل يذكر لتناسقه مع سياق السورة وذكر المسجد الأقصى في أولها وطرف من قصة بني إسرائيل وموسى. وكذلك يعقب عليه بذكر الآخرة والمجيء بفرعون وقومه لمناسبة مشهد القيامة القريب في سياق السورة ومصير المكذبين بالبعث الذي صوره هذا المشهد.
والآيات التسع المشار إليها هنا هي اليد البيضاء والعصا وما أخذ الله به فرعون وقومه من السنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.. «فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ» فهم شهداء على ما كان بين موسى وفرعون:
«فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً» .. فكلمة الحق وتوحيد الله والدعوة إلى ترك الظلم والطغيان والإيذاء لا تصدر في عرف الطاغية إلا من مسحور لا يدري ما يقول! فما يستطيع الطغاة من أمثال فرعون أن يتصوروا هذه المعاني ولا أن يرفع أحد رأسه ليتحدث عنها وهو يملك قواه العقلية! فأما موسى فهو قوي بالحق الذي أرسل به مشرقا منيرا مطمئن إلى نصرة الله له وأخذه للطغاة:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست