نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2251
الرسول أن يقترح على ربه ما لم يصرح له به.. «قُلْ: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا» يقف عند حدود بشريته، ويعمل وفق تكاليف رسالته، لا يقترح على الله ولا يتزيد فيما كلفه إياه.
ولقد كانت الشبهة التي عرضت للأقوام من قبل أن يأتيهم محمد- صلى الله عليه وسلم- ومن بعد ما جاءهم، والتي صدتهم عن الإيمان بالرسل وما معهم من الهدى، أنهم استبعدوا أن يكون الرسول بشرا ولا يكون ملكا:
«وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا؟» وقد نشأ هذا الوهم من عدم إدراك الناس لقيمة بشريتهم وكرامتها على الله، فاستكثروا على بشر أن يكون رسولا من عند الله. كذلك نشأ هذا الوهم من عدم إدراكهم لطبيعة الكون وطبيعة الملائكة، وأنهم ليسوا مهيئين للاستقرار في الأرض وهم في صورتهم الملائكية حتى يميزهم الناس ويستيقنوا أنهم ملائكة.
«قُلْ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا» .
فلو قدر الله أن الملائكة تعيش في الأرض لصاغهم في صورة آدمية، لأنها الصورة التي تنفق مع نواميس الخلق وطبيعة الأرض، كما قال في آية أخرى: «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا» والله قادر على كل شيء، ولكنه خلق نواميس وبرأ مخلوقاته وفق هذه النواميس بقدرته واختياره، وقدر أن تمضي النواميس في طريقها لا تتبدل ولا تتحول، لتحقق حكمته في الخلق والتكوين- غير أن القوم لا يدركون! وما دامت هذه سنة الله في خلقه، فهو يأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن ينهي معهم الجدل، وأن يكل أمره وأمرهم إلى الله يشهده عليهم، ويدع له التصرف في أمرهم، وهو الخبير البصير بالعباد جميعا:
«قُلْ: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» ..
وهو قول يحمل رائحة التهديد. أما عاقبته فيرسمها في مشهد من مشاهد القيامة مخيف:
«وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ، وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا، مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً. ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا، وَقالُوا: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ، فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً» ..
ولقد جعل الله للهدى وللضلال سننا، وترك الناس لهذه السنن يسيرون وفقها، ويتعرضون لعواقبها. ومن هذه السنن أن الإنسان مهيأ للهدى وللضلال، وفق ما يحاوله لنفسه من السير في طريق الهدى أو طريق الضلال.
فالذي يستحق هداية الله بمحاولته واتجاهه يهديه الله وهذا هو المهتدي حقا، لأنه اتبع هدى الله. والذين يستحقون الضلال بالإعراض عن دلائل الهدى وآياته لا يعصمهم أحد من عذاب الله: «فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ» ويحشرهم يوم القيامة في صورة مهينة مزعجة: «عَلى وُجُوهِهِمْ» يتكفأون «عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا» مطموسين محرومين من جوارحهم التي تهديهم في هذا الزحام. جزاء ما عطلوا هذه الجوارح في الدنيا عن إدراك دلائل الهدى. و «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ» في النهاية، لا تبرد ولا تفتر «كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً» .
وهي نهاية مفزعة وجزاء مخيف. ولكنهم يستحقونه بكفرهم بآيات الله: «ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا» واستنكروا البعث واستبعدوا وقوعه: «وَقالُوا: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً؟»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2251