نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2200
العبودية خالصة من الشرك، الذي يوحي إليهم بتحريم بعض الطيبات على أنفسهم باسم الآلهة المدعاة:
«فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً، وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» .
ويحدد لهم المحرمات على سبيل الحصر. وليس منها ما يحرمونه على أنفسهم من رزق الله من بحيرة أو سائبة أو وصيلة أوحام:
«إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» .. وهي محرمة إما لأن فيها أذى للجسم والحس كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو أذى للنفس والعقيدة كالذي توجه به ذابحه لغير الله. «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فهذا الدين يسر لا عسر. ومن خاف على نفسه الموت أو المرض من الجوع والظمأ فلا عليه أن يتناول من هذه المحرمات قدر ما يدفع الضرر (على خلاف فقهي ذكرناه من قبل) غير باغ على مبدأ التحريم ولا متجاوز قدر الضرورة التي أباحت المحظور.
ذلك حد الحلال والحرام الذي شرعه الله في المطعومات، فلا تخالفوه اتباعاً لأوهام الوثنية، ولا تكذبوا فتدعوا تحريم ما أحله الله. فالتحريم والتحليل لا يكونان إلا بأمر من الله. فهما تشريع. والتشريع لله وحده لا لأحد من البشر. وما يدعي أحد لنفسه حق التشريع بدون أمر من الله إلا مفتر، والمفترون على الله لا يفلحون:
«وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ. مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
لا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم وتحكيه: هذا حلال وهذا حرام. فهذا حلال وهذا حرام حين تقولونها بلا نص هي الكذب عينه، الذي تفترونه على الله. والذين يفترون على الله الكذب ليس لهم إلا المتاع القليل في الدنيا ومن ورائه العذاب الأليم، والخيبة والخسران..
ثم يجرؤ ناس بعد ذلك على التشريع بغير إذن من الله، وبغير نص في شريعته يقوم عليه ما يشرعونه من القوانين، وينتظرون أن يكون لهم فلاح في هذه الأرض أو عند الله! فأما ما حرمه الله على اليهود في قوله من قبل في سورة الأنعام. «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ» فقد كان عقوبة خاصة بهم لا تسري على المسلمين:
«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا. إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
ولقد استحق اليهود تحريم هذه الطيبات عليهم بسبب تجاوزهم الحد ومعصيتهم لله. فكانوا ظالمين لأنفسهم لم يظلمهم الله. فمن تاب ممن عمل السوء بجهالة ولم يصر على المعصية، ولم يلج فيها حتى يوافيه الأجل ثم أتبع التوبة القلبية بالعمل الصالح فإن غفران الله يسعه ورحمته تشمله. والنص عام يشمل التائبين العاملين من اليهود المذنبين وغيرهم إلى يوم الدين.
وبمناسبة ما حرم على اليهود خاصة، ومناسبة ادعاء مشركي قريش أنهم على ملة إبراهيم فيما يحرمونه على أنفسهم ويجعلونه للآلهة، يعرج السياق على إبراهيم- عليه السلام- يجلو حقيقة ديانته، ويربط بينها وبين الدين
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2200