responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2201
الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- ويبين ما اختص به اليهود من المحظورات التي لم تكن على عهد إبراهيم.
«إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» .
والقرآن الكريم يرسم إبراهيم- عليه السلام- نموذجاً للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله. ويقول عنه هنا:
إنه كان أمة. واللفظ يحتمل أنه يعدل أمة كاملة بما فيها من خير وطاعة وبركة. ويحتمل أنه كان إماماً يقتدى به في الخير. وورد في التفسير المأثور هذا المعنى وذاك. وهما قريبان فالإمام الذي يهدي إلى الخير هو قائد أمة وله أجره وأجر من عمل بهدايته فكأنه أمة من الناس في خيره وثوابه لا فرد واحد. «قانِتاً لِلَّهِ» طائعاً خاشعاً عابداً «حَنِيفاً» متجها إلى الحق مائلاً إليه «وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فلا يتعلق به ولا يتمسح فيه المشركون! «شاكِراً لِأَنْعُمِهِ» بالقول والعمل. لا كهؤلاء المشركين الذين يجحدون نعمة الله قولاً، ويكفرونها عملاً، ويشركون في رزقه لهم ما يدعون من الشركاء، ويحرمون نعمة الله عليهم اتباعاً للأوهام والأهواء. «اجْتَباهُ» اختاره «وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» هو صراط التوحيد الخالص القويم.
ذلك شأن إبراهيم الذي يتعلق به اليهود ويتمسح به المشركون «ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فكان ذلك وصل ما انقطع من عقيدة التوحيد، ويؤكدها النص من جديد على أن إبراهيم «ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فالصلة الحقيقية هي صلة الدين الجديد. فأما تحريم السبت فهو خاص باليهود الذين اختلفوا فيه، وليس من ديانة إبراهيم، وليس كذلك من دين محمد السائر على نهج إبراهيم: «إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ» وأمرهم موكول إلى الله «وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» .
ذلك بيان المشتبهات في العلاقة بين عقيدة التوحيد التي جاء بها إبراهيم من قبل، وكملت في الدين الأخير، والعقائد المنحرفة التي يتمسك بها المشركون واليهود. وهو بعض ما جاء هذا الكتاب لتبيانه. فليأخذ الرسول- صلى الله عليه وسلم- في طريقه يدعو إلى سبيل ربه دعوة التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل المخالفين في العقيدة بالتي هي أحسن. فإذا اعتدوا عليه وعلى المسلمين عاقبهم بمثل ما اعتدوا. إلا أن يعفو ويصبر مع المقدرة على العقاب بالمثل مطمئناً إلى أن العاقبة للمتقين المحسنين. فلا يحزن على من لا يهتدون، ولا يضيق صدره بمكرهم به وبالمؤمنين:
«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» ..
على هذه الأسس يرسي القرآن الكريم قواعد الدعوة ومبادئها، ويعين وسائلها وطرائقها، ويرسم المنهج للرسول الكريم، وللدعاة من بعده بدينه القويم فلننظر في دستور الدعوة الذي شرعه الله في هذا القرآن.
إن الدعوة دعوة إلى سبيل الله. لا لشخص الداعي ولا لقومه. فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2201
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست