responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2199
وبمناسبة ما حرم على المسلمين من الخبائث، يشير إلى ما حرم على اليهود من الطيبات. بسبب ظلمهم.
جعل هذا التحريم عقوبة لهم على عصيانهم ولم يكن محرما على آبائهم في عهد إبراهيم الذي كان أمة قانتا لله حنيفا، ولم يك من المشتركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، فكانت حلالا له الطيبات ولبنيه من بعده، حتى حرم الله بعضها على اليهود في صورة عقوبة لهم خاصة. ومن تاب بعد جهالته فالله غفور رحيم.
ثم جاء دين محمد امتدادا واتباعا لدين إبراهيم، فعادت الطيبات حلالا كلها. وكذلك السبت الذي منع فيه اليهود من الصيد. فإنما السبت على أهله الذين اختلفوا فيه ففريق كف عن الصيد وفريق نقض عهده فمسخه الله وانتكس عن مستوى الإنسانية الكريم.
وتختم السورة عند هذه المناسبة بالأمر إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. وأن يجادلهم بالتي هي أحسن. وأن يلتزم قاعدة العدل في رد الاعتداء بمثله دون تجاوز..
والصبر والعفو خير. والعاقبة بعد ذلك للمتقين المحسنين لأن الله معهم، ينصرهم ويرعاهم ويهديهم طريق الخير والفلاح.
«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ» ..
وهي حال أشبه شيء بحال مكة. جعل الله فيها البيت، وجعلها بلدا حراما من دخله فهو آمن مطمئن، لا تمتد إليه يد ولو كان قاتلا، ولا يجرؤ أحد على إيذائه وهو في جوار بيت الله الكريم. وكان الناس يتخطفون من حول البيت وأهل مكة في حراسته وحمايته آمنون مطمئنون. كذلك كان رزقهم يأتيهم هينا هنيئا من كل مكان مع الحجيج ومع القوافل الآمنة، مع أنهم في واد قفر جدب غير ذي زرع، فكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء فيتذوقون طعم الأمن وطعم الرغد منذ دعوة إبراهيم الخليل.
ثم إذا رسول منهم، يعرفونه صادقا أمينا، ولا يعرفون عنه ما يشين، يبعثه الله فيهم رحمة لهم وللعالمين، دينه دين إبراهيم باني البيت الذي ينعمون في جواره بالأمن والطمأنينة والعيش الرغيد فإذا هم يكذبونه، ويفترون عليه الافتراءات، وينزلون به وبمن اتبعوه الأذى. وهم ظالمون.
والمثل الذي يضربه الله لهم منطبق على حالهم، وعاقبة المثل أمامهم. مثل القرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله، وكذبت رسوله «فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ» وأخذ قومها العذاب وهم ظالمون.
ويجسم التعبير الجوع والخوف فيجعله لباسا ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا، لأن الذوق أعمق أثرا في الحس من مساس اللباس للجلد. وتتداخل في التعبير استجابات الحواس فتضاعف مس الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره وتغلغله في النفوس. لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم لتأخذهم وهم ظالمون.
وفي ظل هذا المثل الذي تخايل فيه النعمة والرزق، كما يخايل فيه المنع والحرمان، يأمرهم بالأكل مما أحل لهم من الطيبات وشكر الله على نعمته إن كانوا يريدون أن يستقيموا على الإيمان الحق بالله، وأن يخلصوا له

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2199
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست