نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2195
بطون قريش، وكان بياعاً يبيع عند الصفا، وربما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذلك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية، أو أنه كان يعرف الشيء اليسير بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لا بد منه.
وقال محمد بن اسحاق في السيرة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة إلى سبيعة. غلام نصراني يقال له: جبر. عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل الله: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ. لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» .
وقال عبد الله بن كثير وعن عكرمة وقتادة كان اسمه «يعيش» .
وروى ابن جرير- بإسناده- عن ابن عباس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعلم قنا بمكة وكان اسمه بلعام. وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا: إنما يعلمه بلعام. فأنزل الله هذه الآية..
وأما ما كان فقد رد عليهم الرد البسيط الواضح الذي لا يحتاج إلى جدل: «لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ. وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» فكيف يمكن لمن لسانه أعجمي أن يعلم محمداً هذا الكتاب العربي المبين؟
وهذه المقالة منهم يصعب حملها على الجد، واغلب الظن أنها كيد من كيدهم الذي كانوا يدبرونه وهم يعلمون كذبه وافتراءه. وإلا فكيف يقولون- وهم أخبر بقيمة هذا الكتاب وإعجازه- إن أعجميا يملك أن يعلم محمدا هذا الكتاب. ولئن كان قادرا على مثله ليظهرن به لنفسه! واليوم، بعد ما تقدمت البشرية كثيرا، وتفتقت مواهب البشر عن كتب ومؤلفات، وعن نظم وتشريعات يملك كل من يتذوق القول، وكل من يفقه أصول النظم الاجتماعية، والتشريعات القانونية أن يدرك أن مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يكون من عمل البشر.
وحتى الماديون الملحدون في روسيا الشيوعية، عند ما أرادوا أن يطعنوا في هذا الدين في مؤتمر المستشرقين عام 1954 كانت دعواهم أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عمل فرد واحد- هو محمد- بل من عمل جماعة كبيرة. وأنه لا يمكن أن يكون قد كتب في الجزيرة العربية بل إن بعض أجزائه كتب خارجها!!! دعاهم إلى هذا استكثار هذا الكتاب على موهبة رجل واحد. وعلى علم أمة واحدة.
ولم يقولوا ما يوحي به المنطق الطبيعي المستقيم: إنه من وحي رب العالمين. لأنهم ينكرون أن يكون لهذا الوجود إله، وأن يكون هناك وحي ورسل ونبوات! فكيف كان يمكن- وهذا رأي جماعة من العلماء في القرن العشرين- أن يعلمه بشر لسانه أعجمي عبد لبني فلان في الجزيرة العربية؟! ويعلل القرآن هذه المقولة الضالة فيقول:
«إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
فهؤلاء الذين لم يؤمنوا بآيات الله لم يهدهم الله إلى الحقيقة في أمر هذا الكتاب، ولا يهديهم إلى الحقيقة في شيء ما. بكفرهم وإعراضهم عن الآيات المؤدية إلى الهدى «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» بعد ذلك الضلال المقيم.
ثم يثني بأن الافتراء على الله لا يصدر إلا من مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون. ولا يمكن أن يصدر من الرسول الأمين:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2195