responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2150
لتلبية هذا الدافع العميق في نظام الحياة ليكون النسل الذي تمتد به الحياة وجعل تلبية هذا الدافع معهن موضع اللذة السليمة المريحة للجنسين معا- في الحالات الطبيعية- ليكون هذا ضمانا لامتداد الحياة، بدافع من الرغبة الشخصية العميقة.. يمضي لوط في محاولته هذه:
«قالَ: هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ..
ولوط النبي لا يعرض بناته على هؤلاء الفجار ليأخذوهن سفاحا. إنما هو يلوح لهم بالطريق الطبيعي الذي ترضاه الفطرة السليمة، لينبه فيهم هذه الفطرة. وهو يعلم أنهم إن ثابوا إليها فلن يطلبوا النساء سفاحا. فهو مجرد هتاف للفطرة السليمة في نفوسهم لعلها تستيقظ على هذا العرض الذي هم عنه معرضون.
وبينما هذا المشهد معروض. القوم في سعارهم المريض يستبشرون ويتلمظون. ولوط يدافعهم ويستشير نخوتهم، ويستجيش وجدانهم، ويحرك دواعي الفطرة السليمة فيهم، وهم في سعارهم مندفعون..
بينما المشهد البشع معروض على هذا النحو المثير يلتفت السياق خطابا لمن يشهد ذلك المشهد، على طريقة العرب في كلامهم بالقسم:
«لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ» ..
لتصوير حالتهم الأصيلة الدائمة التي لا يرجى معها أن يفيقوا ولا ان يسمعوا هواتف النخوة والتقوى والفطرة السليمة.
ثم تكون الخاتمة. وتحق عليهم كلمة الله:
«ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ» ..
وإذا نحن أمام مشهد الدمار والخراب والخسف والهلاك المناسب لتلك الطبائع المقلوبة:
«فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» ..
وقد خسف بقرى لوط بظاهرة تشبه ظاهرة الزلازل أو البراكين وتصاحبها أحيانا ظاهرة الخسف وتناثر أحجار ملوثة بالطين وهبوط مدن بكاملها تسيح في الأرض. ويقال: إن بحيرة لوط الحالية وجدت بعد هذا الحادث، بعد انقلاب عمورة وسدوم في باطن الأرض، وهبوط مكانها وامتلائه بالماء. ولكننا لا نعلل ما وقع لهم بأنه كان زلزالا أو بركانا عابراً مما يقع في كل حين.. فالمنهج الإيماني الذي نحرص عليه في هذه الظلال يبعد كل البعد عن هذه المحاولة! إننا نعلم علم اليقين أن الظواهر الكونية كلها تجري وفق ناموس الله الذي أودعه هذا الكون. ولكن كل ظاهرة وكل حدث في هذا الكون لا يقع بأية حتمية إنما يقع وفق قدر خاص به. بلا تعارض بين ثبات الناموس وجريان المشيئة بقدر خاص لكل حدث.. كذلك نحن نعلم علم اليقين أن الله سبحانه يجري في حالات معينة أقداراً معينة بأحداث معينة لوجهة معينة. وليس من الضروري أن يكون ذلك الذي دمر قرى لوط زلزال أو بركان عادي فقد يريد الله أن ينزل بهم ما يشاء، وقتما يشاء، فيكون ما يشاء، وفق ما يشاء.. وهذا هو المنهج الإيماني في تفسير معجزات الرسل أجمعين..
وقرى لوط تقع في طريق مطروق بين الحجاز والشام يمر عليها الناس. وفيها عظات لمن يتفرس ويتأمل، ويجد العبرة في مصارع الغابرين. وإن كانت الآيات لا تنفع إلا القلوب المؤمنة المتفتحة المستعدة للتلقي والتدبر واليقين:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 4  صفحه : 2150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست